يا فخرنا
بقلم : محفوظ بن خميس السعدي
باحث اعلامي
يؤهل نفسه للوصول بأسرع ما يمكن إلى موقع بيته بعد يوم شبه شاق ومتعب من الأعمال الخاصة، وفي طريقه إلى البيت وجد أحداً من عائلته وهو ابن أخيه على عتبات الباب وهو يهم مسرعا للخروج. استفسر منه، فأجاب قائلا: عمي لقد تم استدعاؤنا طوارئ في الجيش، رأيت السكون في عينيه عاد إلى المنزل فنظرت زوجته إليه وكأنها تقول له إن عينيك تغالب التعب وشيء ما خفي يستدعي الدموع التي تحاول جاهدا إخفاءها.
وبدون انتظار كان السؤال ما يحدث في عينك يتعلل ذرات الغبار ، باغته ابنه ذو العشر سنوات سائلا :أبي ابن عمي يقول طوارئ ماذا تعني كلمة طوارئ؟؟ ، ترد أمه : طوارئ عادية بمعنى أن الوضع غير مستقر في البلدان القريبة منا هكذا يضج، ولما نظرت إلى عين زوجها خالجها شعور ما أن هناك خطبا جللا، ليلة طويلة إلى الفجر وكأنها سنة.
ركزت عيناها على شاشة التلفاز في ترقب، وفي ساعات الفجر الأولى ظهر المذيع أحمد العامري معلنا الفاجعة بقضاء الله والتسليم المطلق لما أراد المولى عزوجل، رحل الرجل الذي أطلت النظر الي صورته وحركاته وسكاته وروحه المشعة، فجأة تصمت تلك الصورة النابضة بالحياة يغدو المكان خاويا، من يملأ ذلك الفراغ، من حولي باكيا، فالفارس قد ترجل، وتذرف دموع الفقد على سيد عمان ومفجر طاقاتها وباني نهضتها على مدى خمسين عاما.
توالت علينا الصور العجاف في موكب جنائزي مهيب، وصور طائرة الهليكوبتر التي تحوم أعلى الجامع والكل شاخصت عيناه نحو العلم الذي يلف ذاك التابوت، الذي يشع هيبة وكأنما يمشي بقدميه كعادته شامخا نحو سدرة المنتهى، صورة نعشه يسجى في المحراب بالجامع ليصلى عليه والجميع يهتف: يا فخرنا يا فخرنا، نعم يا فخرنا..
رحلت وتركت خلفك أجيالا وأجيالا تبني وتعلى البنيان بالكلمة، بالصورة، بالفعل، يا فخرنا.. كما أن الصمت في هيبة حضورك إجلال ، فإن الكلام تشريف حين تكون أنت جوهره، فخمسون عاما يا فخرنا وأنتم تبنون طوبة طوبة.. في قلعة عمان الصامدة. يا فخرنا أنتم من وضعتم اللبنة الأولى لدولة المؤسسات والقانون، ومن جعل التعليم ينطلق من تحت ظل الشجرة إلى مدراس وجامعات وكليات في جميع ربوع عمان، يا فخرنا يا من صنع الإنسان العماني العالمي يا فخرنا.. اعتزاز ورثاء يدوي في كل أرجاء عمان، وبعد خمسين عاما لمن سار جنبا إلى جنب يبني عمان لتلك الأجيال من الرعيل الأول لمن ساهموا في بناء دولة عمان الحديثة والذين غادروا كرسي الوظيفة إلى التقاعد نقول لهم ولكل الكراسي: يا فخرنا تضج بالعمل والهمة والنشاط سواء في الوظيفة أو في التقاعد لأولئك الذين صاحبوا تلك الفترة وكانوا شاهداً على مراحلها كلها، كنتم محل تقدير واعتزاز وفخر واحترام من الكل وستظلون كذلك (يا فخرنا).
لقد كانوا هم الأنجم الدرر التي عاشت في كنف مرحلة فخر الرجال سيد سادة عمان المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – عاشوا التفاصيل الدقيقة والأولية لولادة عمان الحديثة بكل ما تحمل تلك الكلمة من معنى، أولئك هم فخرنا فقد أدوا الواجب على أكمل وجه، فلهم كل التحية والتقدير لكل فرد غادر تاركا إرثه للأجيال القادمة ليفسح المجال لهم للعطاء نقول لكم: أنتم فخرنا.. جئتم في عهد فخرنا فشكراً لكم من أعماق القلب وسنكمل المسيرة معا .