يوميات متقاعد
بقلم / بدرية بنت حمد السيابية
في يوماً كعادته من الأيام ، يوم أضاف خبراً ممزوجاً، ما بين الفرح والحزن، أتى خبر تقاعد “سعيد” من عمله وإحالته للتقاعد بعد سنوات من الخدمة، وأتى القرار في وقت غير مناسب بالنسبه لسعيد، ولكنهُ كان منتظراً هذا القرار يوما من الأيام، طلبهُ المدير في مكتبهُ ليخبر سعيد بأمر تقاعده، وانتهى خدماته، مع تسليم بعض الأوراق لتوقيعها _لملم سعيد أوراقهُ وذكرياتهُ من درج مكتبهُ، مودعا أصحابهُ ودمعتهُ حبيسة عينهِ، صافح الجميع واحدا واحدا دون استثناء ، وكذلك صافح الحارس شاكرٌ لهُ حُسن معاملتهُ وخدمتهُ للجميع، حملَ الحارسُ حقيبة “سعيد” وبعض الأغراض في صندوق متوسط الحجم، فيه بعض ذكريات سعيد عاشها مع جدران مكتبهُ، وكل ما يحتوي المكتب شاهداً على جهود”سعيد” وكل تخطيط وتنفيذ المشاريع التي تمت من خلاله، خرج سعيد من مقر عمله، وخطواته باتت ثقيلة، ترفض الرحيل، واقنع نفسه أخيرا بأن هذا واقع، ويترك المجال لغيره.
وصل “سعيد” لمنزلهُ واليأس والاحباطُ غمر وجهُ، دق جرس منزله ، فُتّح لهُ البابُ، ونظراته توحي لليأس ، ودخل منزلهُ مخاطباً عاملة المنزل قائلا :اذهبي للسيارة وستجدي بعض الأغراض في صندوق السيارة، ضعه على مكتبي “مكتب صغير في منزل سعيد يقضي فيه معظم وقته لدراسة بعض الأعمال والمشاريع المؤكلة له وهو على رأس عمله ” والآن أصبح الوضع مختلفاً، كيف سيقضي “سعيد” وقته، هل سيتأقلم مع وضعه، أو هناك طريقاً سيلكه ليفرغ فيه كل طاقات الفراغ والملل الغير مرغوب فيه، وظل سعيد شارداً في نفسه، وأحواله.
ظل سعيد حبيس منزلهُ لم يزورُ أحداً، ولم يخرجُ منه، ظلت الوحدة ترافقه رغم وجود أسرته معه، ولكن “سعيد” لم ينظر إليهم وظل الهدوء جليسهُ يتهامس معهُ، وبعد مرور شهرين من تقاعد “سعيد” زار مزرعته الموجودة في منطقة أخرى، فوجد الزرعُ قد ذُبلَ وماتَ عطشاً، أحسَ “سعيد” حينها بقيمة الحياة، وكيف يعيشُ الإنسان على الأمل والتفاؤل، وفكر كيف سيقضي وقته بدون ملل ولا كلل، أصبح “سعيد” يزور مزرعته كل صباح، ويقضي وقته بين الزرع والورود الجميلة ذات الرائحةُ الزكية،
اهتم كثيراً وأصبح ينظر للحياة نظرة العطاء، أدرك حينها بأن سيكمل مسيرة عمله ولكنها بطريقة مختلفة وغير رسمية، ستكون عفوية بجهده وإنتاج ثمار قد زرعه بيده وأسقى بِعرق جبينهُ، هنا قارن “سعيد” بأن الحياة لا تتوقف وبأن هناك يوم لك ويوم عليك، وتستمر تجارب الحياة دون توقف، وهكذا وجد “سعيد” مشروع يعمل عليه، ويكون ذات دخل يعتمد عليه في تسيير بعض أموره، وعاش “سعيد” سعيداً بكل بذرة زرعها وتابع نموها وثمارها، وحمد الله حمداً كثيراً .
رسالتي لكل متقاعد_ بأن تثمر وقتك بالشي المفيد، ولا تجلس مكتوف الأيدي، فأنت كنت كفارس تدافع وتجتهد في عملك، تخاف عليه، وتبذل قصارى جهدك لتكون الأفضل ، ولكن لابد منّ الاقتناع بأن لكل شي له نهاية، ولكن لاتجعل الكسل يتسلل إليك، استثمر في بناء فكرك، بمشاريع جميلة، اغتنم الفرص، وابحث عنها لتكمل مسيرة العطاء مرة ثانية.
ملاحظه /اسم الشخصية من نسج الخيال