كما يلعب أحدهم السيرك
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
تنتشر العاب السيرك بصور متعددة، وبكثرة لا مثيل لها، وتلقى في المقابل الكثير من الاهتمام والمتابعة من جميع الأعمار من النوعين، ومؤدى هذا الاهتمام هو الدهشة، والترقب، والخوف، وربما الإعجاب، والمغامرة، والتحدي، والطموح، ولذلك تلاحظ في لحظة القيام بأي من هذه الألعاب يعيش اللاعب كل هذه المشاعر المتداخلة، وقد يكون أكثر حزما، وفي المقابل يكون المتابع أو المشاهد؛ تتزاحم أنفاسه، وينقبض قلبه، وقد تملآ دموعه خدوده، وهناك ربما من يقوم بالدعاء بأن تأتي العواقب سليمة، وهناك من يحمد الله في ختام اللعبة على أنه لم تحدث كارثة تذهب بكل هذه الخيالات والتخيلات عرض الحائط.
هذه الصورة هي جانب واحد من جوانب الحياة، وما أكثر جوانبها التي نعيشها بهذه الصورة، وربما أكثر، فالذي ينتظر ولادة مولود يعيش نفس الترقب، والقلق، والتحسر، وقد يشرب من الماء ما يكفي لروي جمل، وقد يستهلك من قضم المكسرات ما يكفي لضيافة عشرة، ومن يحصي عدد الخطوات ذهاب وعودة في ذات المكان قد تصل إلى مسافة خمسين كيلو مترا، وقد تنقطع إحدى نعليه من أثر ذلك، وذات الموقف يحصل عندما يكون إحدى أفراد الأسرة تجرى له عملية جراحية لأمر علاجي ما، ويحدث ذات الموقف قبل أن يصدر القاضي حكمه النهائي على ذلك المتهم الذي يقف في قفص الاتهام، وتتكرر ذات الحالة قبل أن تعلن لجنة التحكيم قرارها النهائي في مسابقة ما، أو لجنة المناقشة قبل أن تعتمد دراسة الطالب المتقدم بها الى نيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه.
كل ما ذكر هي أفعال حميدة، وأعمال مباركة من الجميع، ومشروعة إلى حد النصاعة حيث لا خلل فيها، ولا عتب، تمارس نهارا جهارا، لا سرية فيها ولا تخفي، لا تقترب من الحرام، ولا تصطدم بنص شرعي أو قانوني أو عرف اجتماعي، ومع ذلك تأخذ نصيبها من القلق المفضي إلى اختزال كل ملكات التمكين العاطفي، والشعور المعتدل، ذلك لأنها مرتبطة بحكم الآخر، ومرتبطة بقرار الآخر، ومرهون إخفاقها أو نجاحها برضا الآخر، وفي كلها ترتفع الأكف ضارعة متوسلة خاضعة ضعيفة ترجو رحمة ربها، حيث تستحضر في هذه اللحظات هيبته وجبروته، قوته وبطشه، رحمته وغفرانه، عفوه ورضاه، أي أن حضور الخالق عز وجل محدد أسمى لتجاوز مظان الإخفاق في كل هذه الأفعال، ومع ذلك فالنفس ترتجف، والمشاعر تتصدع، واليقين بالله تتقاذف من كل جوانبه حالات عدم التيقن للضعف الذي تعاني منه النفس البشرية.
من يعيش هذه الصورة برمتها، وبكامل تفاصيلها يعجب أشد العجب من الذين يؤلون على أنفسهم في ارتكاب المعاصي عمدا، وفي تجاوز الخطوط الحمراء عمدا، وفي غض الطرف في تجاوز المحددات عمدا، وفي المناورة على الأنظمة والقوانين عمدا، وفي الضرب بعرض الحائط بكل القيم النبيلة لجميع المحددات الضرورية التي تنظم حياة الناس عمدا، وفي المجاهرة بكل ذلك عمدا، وفي المباهاة بعرض التفاصيل الدقيقة بمختلف المنغصات المقيتة عمدا، وفي التحدي المقرون بسوء الخلق عمدا، وفي كل ما يسيء الى الصورة الاجتماعية السوية عمدا، فأي أنفس هذه التي تعيش كل هذا الخروج عن المقبول، وعن المحبب، وعن الباعث على الاطمئنان، إنها صورة لا تختلف كثيرا عن شد المشاعر للطرف المتلقي، كحال لاعب السيرك؛ لا فرق، إلا أن لاعب السرك يمارس ذلك بشجاعة يلقى عقبها التأييد والتصفيق والمباركة من متلقيه، بينما يمارس الآخر غواياته تحت جنح الظلام، حيث يعيش كل هذا القلق والترقب والارتباك بنفسه ققط؛ لتذهب به النتائج بعد ذلك إلى ظلمات السجن، أو ظلمات القبر.