طفولة مسلوبة
علياء بنت سعيد العامرية
عندما كنا صغارا كانت تتردد على مسامعنا عبارة “طفولة مسلوبة” ، عبارة كانوا يرددونها كلما تحمل الطفل أعباء أكبر منه بكثير، ولطالما كانت رفيقة الحروب والخسارات.
لكننا اليوم نعيش “طفولة مسلوبة” ونحن آمنين في منازلنا، سلبتها مواكبة عصر التكنلوجيا والأجهزة الحديثة، سلبتها محاولتنا لجعل أطفالنا يعيشون بأكبر قدر ممكن من الرفاهية، سلبها بعنف حبنا لتقديم كل ما هو مادي لا يجعل طفلنا يشعر بأنه ليس كأقرانه دون أن نزرع فيه قيما نبيلة.
أطفالنا اليوم يعرفون عن القتال ما لا نعرفه، ويمارسون خططا قتالية لا ندركها، يمارسونها بشكلٍ افتراضي في واقعه وحقيقي في باطنها، فالألعاب الإلكترونية كفيلة بزرع أفكارٍ مسمومة، والقنوات الفضائية كفيلة بدس السم بالعسل تحت مسميات لطيفة وناعمة (المتعة، الإثارة، التشويق، المغامرة)
فكم من براءة سلبتها غريزة القوة، وكم من جمال سلبه الاستمتاع بمناظر القتلى والجرحى في ألعابهم، وكم من رقة سلبها التشويق للعنف، وكم من طهر شوهه حب المغامرة.
أطفالنا اليوم لم يعودوا صغارا، ولم نعد نرى في وجوههم تلك البراءة الآسرة، أطفالنا اليوم جيل مخيف ومرعب، جيل يقضي جل وقته في الحرب، الحرب وحسب.
تمَّ إجراء دراسة على مجموعة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8 إلى 17 عاماً لمدة ثلاث سنوات، وأشارت نتائج هذه الدراسة إلى أن الألعاب الإلكترونية العنيفة تُحفز على السلوك العدواني لدى الأطفال نظراً لكثرة مُشاهدة الطفل لمشاهد العُنف.
(موضوع.كوم)
خطيرة جدا هذه الدراسة، ونحتاجُ إلى وقفة تأملية حيالها، أهذا ما يحتاج إليه أطفالنا؟
حرب وقتال؟
ألم نكتفِ من القتلى والجرحى في حياتنا الواقعية؟
ألم نكتفِ من طفولة سلبتها أعاصير الحروب؟
أطفالنا لا يحتاجون إلى كل هذا، أطفالنا احتياجاتهم بسيطة جدا
(احتواء) ليس أكثر من ذلك، احتواءك لطفلك يجعله أكثر ذكاء وجمال وبراءة، يجعل منه مبدع وناجح في حياته.
أطفالنا لا يحتاجون إلى كل هذا الزخم من التطور ليصبحوا كأقرانهم.
من وجد الاحتواء في حياته اكتفى به عن كل شيء، وبه يصبح من أغنياء العالم، فالغنى ليس غنى المال، وليس بالمال تجنى السعادة، فاحتواء فقير خير من مال غني، وحده الاحتواء قادر على انشاء طفل منجز وناجح وغني.
ها هو توماس أديسون احتواء والدته له جعل منه مخترع للمصباح يعرفه الصغير والكبير, وهناك طفل سلبت عقله وطفولته ألعاب قتالية وشتان بينهما.
نحن نحتاج إلى جيلٍ مبدع ومثقف ورائع، نحتاج إلى جيل قارئ وفطن، نحتاج إلى جيل لا يبحثُ عن الحب والاهتمام في وسائل الاعلام، بل يجدهُ في بيته بين أحضان والديه وإخوته.