“تابوهات” المجتمع .. لم تعد كذلك
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
يشكل الحديث عن الجنس ربما أكبر هذه الـ “تابوهات” التي تحظى باهتمام غير عادي، ولذلك احيط هذا الأمر في ثقافة المجتمع بالكثير من السرية، وبالكثير من الحذر، وأنزلت المرأة في هذا الخندق أسوأ منزلة، للأسف الشديد، وحتى عهد قريب، كان ذكر المرأة مقرونة بعبارة “تكرم حرمة” من شدة إغراق هذا المفهوم في الذاكرة الجمعية، ولكن لأن جل المفاهيم الإنسانية – على وجه الخصوص – قابلة للتغيير، والتبدل، وهذا من أثر ارتقاء وعي أفراد المجتمع، ومراجعاتهم لكثير من الثوابت، وتعديلها وما يتفق مع متطلبات العصر وضرورياته، فإن الحديث عن الجنس واحد من هذه المفاهيم التي بدأ أفراد المجتمع تجاوزها ونقلها من خانة هذه الـ “تابوهات” والتعامل معها كأي فعل إنساني مقبول، له سلبياته وايجابياته، له مخاطره وفوائده، له مؤيدوه ومنتقدوه، وله مساحته التي يتسع فيها النقاش ويحصر في جوانب ضيقة في آن واحد عند آخرين، المهم لم يعد ينظر إلى الحديث عن الجنس بالكثير من الأهمية كأحد هذه الـ “تابوهات”، ولذلك اليوم يأتي الحديث مشاعا في كثير من جوانب هذه المسألة، وهناك برامج إذاعية وتلفزيونية تشرح كل ما يتعلق بالجنس، وينظر إليه من خلال هذه البرامج كأحد المناخات العلمية التي يجب أن توضح جوانبها المختلفة للجميع، تفاديا لمشاكل كثيرة كانت تحصل من جراء التعتيم الشديد عن الحديث عن هذه الجانب الإنساني، العاطفي، المشاعري؛ سمه ما شئت.
منذ فترة انتشر مقطع صوتي بثته إحدى الإذاعات المحلية تتحدث فيه اخصائية عن هذا الموضوع من جوانب علمية بحتة، وعلى الرغم من تعظيم فائدته، حيث وقفت على الكثير من الإشكاليات التي تحدث بين الزوجين من سوء الفهم الموجود لديهما حول هذا الجانب، وفي ذلك تعضيد للمعرفة لحياة الزوجين، وانتشر هذا المقطع، كما “تنتشر النار في الهشيم” عبر الـ “واتس آب”، لأن هناك الكثيرين، ربما، الذين لا يزالون مسكنون بهذا الهاجس “الجنس” قيموا هذا المقطع على أنه خروجا عن أعراف المجتمع، مع أن الذي بثته إذاعة محلية، وفي تصوري الشخصي أن ترويج المقطع بهذه الصورة لا يزال يعكس إشكالية موضوعية في ذات الفهم في هذا الجانب، حيث يفترض أن أفراد المجتمع قد تجاوزوا هذه الـ “محنة” إن تجوز التسمية، لأن نزع مثل هذه المفاهيم من الذاكرة ليس أمرا يسيرا، لذلك يمكن وصفها بـ “المحنة”، فالمجتمع لا يزال يتكور على كثير من قناعات أفراده المتوارثة، ومنذ فترة سابقة أيضا وخلال إقامة معرض مسقط للكتاب انتشر مقطع من رواية لإحدى الكاتبات، تضمنت شيئا عن الجنس، حيث صورت بعض فقرات الرواية ووزعت أيضا مع تعليقات غير رشيدة، حيث نظر إلى هذه الفقرات على أنها مشهدا جنسيا غير مقبول، كما حدث من قبل في دورات معرض الكتاب السابقة، حيث سحبت روايات من منصات البيع لذات السبب.
الفكرة هنا أكثر، أن هناك الكثيرين من أفراد المجتمع لا يزالون ينزلون الحديث عن الجنس، وأي شيء يشير إليه كتابة، أو رسما، على أنه إيحاء متجسد لحقيقة الممارسة، وبالتالي فهذه تضرب في عمق القيم التي يؤمن بها أبناء المجتمع، ويرون فيها سلامة المجتمع من التلوث، وكأن الجنس هو الوحيد الذي يمكن أن يلوث هذه القيم ويضرب برصانتها عرض الحائط، ومما يؤسف له حقا أن هذه الثقافة التي يتبناها البعض تمارس خداعا بصريا ممقوتا، وتتخادن بصورة مباشرة مع قناعات الكثيرين أيضا، وبالتالي يمارس كلا الطرفين نوعا من الـ “الخيانة البصرية” لأن ما يخفى عن المساحة الأفقية للرؤية شيئا تشيب منه الولدان، وهنا الخطورة أكبر.