أزمة كورونا تكشف مجالس “الختم” بمؤسسات التمويل الأصغر
د معاذ فرماوى
المدير التنفيذى للفروع الدولية – باب رزق جميل
farmawima@alj.com
تعنى الحوكمة في معناها البسيط أنظمة الحكم الداخلى لمؤسسات التمويل الأصغر، والتي بموجبها يقوم مجلس الإدارة بتوجيه المؤسسة لتحقيق رسالتها المؤسسية وحماية أصولها، من خلال الإشراف وتحديد إتجاه الإدارة التنفيذية.
وكشفت أزمة كورونا أن معظم مؤسسات التمويل الأصغر تُدار من خلال ما يعرف بمجلس “الختم” والذي نادراً ما يمارس الإشراف، وأن القليل منها إما يُدار من خلال المجلس “المسيطر” والذي يقدم حوكمة فعالة ولكن بإشراف مفرط، أو بالمجلس “التمثيلي” والذى يقدم مساهمات خاصة بإرساء وتقوية علاقات المؤسسة، وأنها نادراً ما تُدار بالمجلس النموذجى وهو المجلس “المتعدد الأنماط”.
والتحدي الحقيقى لمؤسسات التمويل الأصغر بعد أزمة كورونا هو التحول الكلى من مجالس إدارة “الختم” إلى مجالس الإدارة “المتعدد الأنماط”، أو على الأقل التحول للأنماط الأخرى من مجالس الإداراة كخطوة إيجابية.
وتكمن مشكلة مجلس ” الختم” فى قيام الإدارة التنفيذية بالدور الإستراتيجي، وإقتصار دور المجلس فقط على الموافقة على ما تطلبه الإدارة منه، فهم غالباً لا يعلمون شيئاعن صناعة التمويل الأصغر ولا عن المؤسسة، ولا يمكنهم القيام بأى دور لدعمها والنهوض بها، ورغم تفضيل الإدارات لهذا النوع من المجالس لسرعة إتخاذ أو “ختم” قرارتهم، لكنه بالغ الضرر على المدى البعيد، أو عند مواجهة أزمات طارئة كأزمة كورونا، حيث يُتخذ القرار بواسطة عضو واحد فقط وهو غالباً المؤسس مع المدير التنفيذى، ويقتصر دور باقى الأعضاء على الموافقة بدون أى مراجعة ، فالسلطة الحقيقية هى الإدارة التنفيذية، لذا تخلوالمؤسسة من أدنى درجات الحوكمة.
وبتحول المؤسسة للمجلس “التمثيلي” تحظى بوجود أعضاء يتسمون بالوضع المجتمعى بشكل يضيف للمؤسسة قدراً كبيراً من المصداقية، ويكون للإدارة التنفيذية دوراً هاماً في القرارات الإستراتيجية والعملياتية، ويتميز هذا المجلس عن مجلس “الختم” بمعرفته بنشاط المؤسسة، ومساهمته فى فتح علاقات مهمة تطور صلاتها مع الجهات السيادية وأصحاب المصالح، وبشكل يساعدها على الوصول للمعلومات التى تحتاجها، ويعزز موقفها محلياً ودولياً، ولكن من أهم عيوبه عدم إمتلاك أعضاء المجلس الوقت الكافى ، ولا يمارسون الإشراف إلا عن بعد.
وعند إختيار المؤسسة “المجلس المسيطر” يتوفر لديها أعضاء بخبرات قوية فى صناعة التمويل الأصغر وعمل المؤسسة، ولديهم الوقت الكافى لرقابة المؤسسة والسيطرة عليها، والتعامل مع الإدارة التنفيذية بندية وعن قرب، كما أنهم يدركون فى نفس الوقت الفرق بين دورهم الإستراتيجى ودور الإدارة التنفيذية، ويسارعون فى علاج أى مواطن ضعف فى عمل المجلس، ولكن يعيب “المجلس المسيطر” تجاوز حدوده والدخول فى التفاصيل بشكل يؤثر على دوره الإستراتيجى.
وإذا وصلت المؤسسة للمجلس “المتعدد الأنماط” فقد وصلت لمزيج من “المجلس التمثيلى” و”المجلس المسيطر” لوجود أعضاء يقومون بدور “تمثيلي” يحقق دور الرؤية والمكانة، وأعضاءآخرين لديهم خبرة جيدة فى الصناعة وعمليات المؤسسة مثل “المجلس المسيطر”، ويساهمون فى توفير المعلومات الضرورية للقرارات الإستراتيجية، ولبعض القرارات العملياتية ، وهذا المزيج والتوازن المثالى والذى يمكن أن يتغير طبقاً لحاجة المؤسسة يضمن لحد كبير فعالية وجودة القرارات، ويحقق الحوكمة المطلوبة.
ومع التأكيد على أن لكل نمط من أنماط مجالس الإدارة المشار إليها ميزات وعيوب حسب طبيعة وعمر مؤسسة التمويل الأصغر، وخبرة إدارتها التنفيذية، وأليات الرقابة بها، وخبرة وقدرات ومهارت أعضاء المجلس، إلا أن وظائف المجلس فيما يتعلق بالحوكمة يجب ألا تتغير ولا تُمس، وهذا لا يمكن تحقيقه مع مجالس “الختم”، وأزمة كورونا أكبر شاهد على ذلك .