الحياة الزوجية بين الطموح والواقع
خلفان بن ناصر بن سعيد الرواحي
لقد شرع الله الزواج كمنهج رباني للتعايش بين الذكر والأنثى ليكون مفتاحاً للبقاء يسوده المودة الرحمة والسكينة؛ كما جاء ذلك من بيان فيدكتابه العزيز: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21))) -سورة الروم-.
فهنا يدعونا الخالق إلى التفكر لتحقيق ذلك الهدف وكيف نستطيع أن نوازن بين تحقيق الطموح وبين الواقع الذي نتعايش معه ، فمما لا شك فيه فإن الطموحات ليست بالضرورة أن تكون حاضرة لأنها تعتمد على عدة أمور ومنها نزوات النفس ورغباتها لدى الطرفين ، والتباين الثقافي والاجتماعي والمجتمع المحيط الذي يحيط بك حتى وإن كان العامل الثقافي والمادي حاضراً عند أحد الطرفين أو كلاهما ويعتمد ذلك كله إلى مبدأ التقبل بينهما والتفاعل للتعايش للتقليل بين تباين الفكر وتجاوز الخلافات والهفوات التي ربما تكون غير مقبولة ولا تتوافق مع الطموحات التي يراها كل طرف في الآخر .
فإذا أمعنا التفكر فأنه يوجد على هذه الشاكلة أو على شاكلةٍ أخرى كلا الطرفين، وكان من الممكن أن يَخْلُقَ الله الناس كلهم دفعةً واحدة دون نظام الزوجية دون ذكر وأنثى دون إنجاب أولاد ؛ ويمكن أن البشر كلهم يُخْلَقون دفعةً واحدة ولكن شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن نوجد في الأرض تِباعاً على نظام الزوجية ، فإن نظام الزوجية آيةٌ كبرى من آياته جلَّ جلاله.
فمن هنا نتدبر أن الله عزَّ وجل كما خلق لك فكراً خلق لزوجتك فكراً، وكما خلق لك قلباً ينبض بالأحاسيس خلق لها قلباً ينبض بالأحاسيس، وكما خلق لك عيناً ترى بها جمال الأشياء خلق لها عيناً أيضاً ترى بها جمال الأشياء، فلو أمعنت التفكر بالذكر والأنثى لرأيت التشابه في خلق الأعضاء والاحاسيس فالسمع، والبصر، والشم، والنُطق، واللسان، والفكر، والأيدي، والأرجل، والحركات، فهي مخلوقٍ واحد في الأساس فبين الذكر والأنثى نقاط تشابه كثيرة جداً هي سبب من أسباب الانسجام، وهي نقاط تكامل لسبب الانسجام، فإذا التقت النقاط المتشابهة بين الذكر والأنثى كان هذا سبيلاً إلى الانسجام بينهما.
عليه فلا غرابة فيما تحدث للبعض منا لعدم التوافق بين الطموح والواقع فكل طرف ينظر من زاوية ، وربما هناك عدم قبول بين الطرفين لأتفه الاسباب وما ذلك إلا نتيجة عدم الانسجام والتعايش بقبول الواقع مما يؤدي في بعض الحالات إلى الطلاق أو تكون سبباً من أسباب ضياع الاسرة وأبناءها ، وربما يلجأ كل طرف للبحث عن ضالته لتحقيق طموحه حتى وإن كان ذلك باللجوء إلى طريق الغواية واتباع الشيطان وأعوانه إلا من رحم الله فيصبر على الواقع لتيعايش معه للحفاظ على كيان أسرته والقبول بالواقع ليتعايش مع آيات أخرى من آيات الله وهي
((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19))) سورة النساء .
((وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)))- سورة البقرة.