الشباب العماني اليوم بين الواقع والطموح
الكاتب والقاص العماني : يعقوب بن محمد بن غنيم الرحبي
Yaq98@hotmail.com
الشباب هم عماد الامة وقلبها النابض وهم الثروة التى لا يجب الاستهانه بها، لانهم هم الذين يراهن عليهم في بناء الاوطان ورقيها، وبصواعدهم تتحقق الامال .
والشباب العماني الذي ساهم في بناء عمان خلال نصف القرن المنصرم، واليوم سيغادروا أو غادروا وظائفهم بعد ان اكملوا ثلاثين عاما من العطاء ، يستحقوا منا ان نرفع القبعة لتلك الصواعد الابية، والايادي الامينة المخلصة الوفية ، التى ساهمت في بناء عمان، ولم تتلطخ اياديها او تمتد للعبث بمقدارت هذا الوطن، واقصد هنا الشرفاء، واعني السواد الاعظم من ابناء عمان ، نقول لهم ، فزتم بحمل وسام الشرف والعزه والفخر، في بناء بلدكم في كل الميادين وعلى كل الاصعدة ، المدنية منها والعسكرية وساهمتم في الذود عن حياض الوطن وحافظتم على مقدراته ومكتسباته، وبصماتكم ستبقى نبراسا تفتخر به الاجيال ، واليوم الجميع يستمتع بثمارة نهضة عمان التى ساهمتم في بنائها ، ولاشك خبراتكم ستسخرونها في مجالات اخرى اكثر حيوية ونشاط ، وهذا يعود الفضل لله اولا ثم الى الحكومة الرشيدة التى سخرت كل الامكانيات لتوفير الحياة الكريمة للمواطن ،
ولاشك اخوانكم وابنائكم الذين سيجنون ثمار ما زرعتم ، هم قادرين على مواصلت مشوار ما بدأتم به في بناء عمان الغد ، كما انتم بنيتم عمان الامس، اذا ما تم تاهيلهم التاهيل الجيد وتدريبهم التدريب النافع ، ليواكب تاهيلهم متطلبات السوق واحتياجاته ،وعلى القطاع العام والخاص والمؤسسات الاهليه والجامعات والكليات ومعاهد التدريب ، ان لا تأخذ فقط بايدي المتفوقين فحسب، بل كل ابناء عمان بحاجة الى من ياحذ بايديهم نحو الامام، وفق هذه المتغيرات والتحديات ، لاشك القدرات الذهنيه تتفاوت، بينما الطاقات تكاد تكون متقاربه وموحده، هذا ما اثبتته الدراسات ، الا ان هناك من يخفق في تفعيل هذه الطاقات ، وهذا يوجد للاسف بين بعض الشباب وهم قله ، العاجز عن التغيير ليلتحق بركب اولئك الذين اوجدوا لانفسهم مكانة ووضعوا لهم بصمة اهلتهم ليكونوا رواد اعمال منتجين ومخترعين ، في شتى المجالات والتخصصات .
من لايشكر الناس لا يشكر الله ،عمان الامس وضعت اللبنة الاولى لبناء صرح النهضة والنهوض بشبابها والتى كلفت الدولة ملايين الريالات وقدمت الحوافز والتسهيلات، والقروض الميسرة والاعفاءات، وتغيير قانون العمل العماني لصالح العامل ، الا ان تلك الحوافز لم تكن كفيلة بالوصول الى طموح الشباب التى لا تتوقف ، وبلاشك كانت تفتقر الى منظومة صحيحة .
مهلا بكم على عمان اليوم، لانها لازالت تلملم بعض الاوراق المتبعثرة هنا وهناك لتعيد صياغتها وتنظيمها، لتواكب عمان النهضه المتجددة وتظهر بمظهر يليق بمكانتها التاريخية والحضارية بين دول العالم المتقدم، فالاجراءات التى قامت بها الحكومة مؤخرا والتى ستقوم بها لاحقا على كل المستويات والاصعدة وفي كل القطاعات، الهدف منها توفير بيئة عمل موانية للشباب العماني والجيل القادم ، فالايام المقبلة كفيلة بأن توفر هذا المناخ الذي يطمح اليه الشباب وينتظرونه بشغف ، اليوم تعالج الكثير من القضايا التى كانت شائكة بالامس ، والتى كان يطمح اليها المواطن ، وهكذا بشائر الخير كما تشاهدونها تتلاحق و تتوالى ، لتستأصل جذور الخلل لتبقى عمان طاهر نقية ، ولكي تصل الى طموحكم .
فالوظائف في القطاع العام والخاص ربما سترى النور قريبا ، ولكن قبل ذلك لابد أن ننوه كي يعلم الشباب بأن السعي للرزق والعمل بجد واجتهاد من المتطلبات التى تعمر بها الاوطان ، وتسخير الناس بعضهم لبعض كي يشتركوا فيما بينهم حتى يتم اصلاح الارض وتعميرها ، فالعمل عبادة وأمرنا الله به في كتابة (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) سورة الملك 15 ، وقال رسولنا الاكرم ( لان يحتطب احدكم حزمة على ظهره خيرا له من أن يسال الناس أعطوه او منعوه) ويقول ايضا ( من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له ) ولاشك كل الانبياء عليهم السلام عملوا واكلوا من عمل أيديهم فهذا رسولنا الكريم يقول( ما أكل احد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يديه وان نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده ) و رسولنا الكريم رعى الغنم واشتغل في التجارة مع السيدة خديجة قبل ان يتزوجها ، وسيدنا ادم قبل ذلك كان يعمل في حراثة الارض و زراعتها وكانت زوجته تساعده وكان ايضا هو من يصنع الادوات التى يستخدمها في الزراعة ، وسيدنا موسى رعى الغنم لذلك عندما سئل ( وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ) سورة طه 18، وسيدنا داوود عمل في صناعة الاسلحة والدروع والحديد التى تستخدم في الحروب والقتال اي انه كان حدادا لذلك الان الله له الحديد ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) سورة سبأ الاية 10 ، وسيدنا نوح عمل نجارا وبجانب ذلك رعى الغنم وهو الذي صنع السفينة التى انجته ومن معه من المؤمنين من الطوفان (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)سورة هود الاية 37، وسيدنا ادريس كان خياطا، وسيدنا ابراهيم عمل في مهنة البناء وقد امره الله ان يبني البيت الحرام ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) سورة البقرةالاية127، ومهنة نبي الله اسماعيل الصيد فكان يذهب الى الانهار والبحار ليصطاد الاسماك ثم يقوم بيعها في الاسواق ،
أمام شبابنا اليوم فرصة في الاستثمار والعمل الجاد بالزراعة والصناعة والسياحة والتجارة، عمان ولله الحمد حباها الله بموارد كثيرة ومتنوعه ، هناك مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية الحكومية ، والتى لا تكاد تخلى ولاية من ولايات السلطنة منها، ما يسمى ( بيت المال) بها بساتين من النخيل ، تحت اشراف وزارة الاوقاف والشؤون الدينية لم ستغل الاستغلال الامثل ولم تعرض للاستثمار بعد، لازالت تعبث به وتنتفع منها فئة من الاعماله الوافدة ، هذا المشروع سيمدنا بقطاعات متنوعة من الثروة الزراعية، والحيوانية ، والاستزراع السمكي ، والصناعات الحرفية التقليدية ، والقطاع السياحي ، هذه القطاعات سترفع من الانتاج وتزيد من الدخل وستحقق الامن الغذائي والاكتفاء الذاتي، و من خلال هذه المشاريع ستوفر الاف الفرص من الوظائف للشباب ، هناك قلاع وحصون تحتاج الى من يحافظ عليها ويعتنى بها ويتبناها تكاد هذه المعالم التاريخيه والاثرية تتساقط وتندثر على مر الايام . هناك البحر الذي يحيط بعمان وما به من ثروة سمكية ومياه معدنية ، هناك مناطق صناعية في معظم ولايات ومحافظات السلطنة لازالت تنتظر وتفتح ذراعيها للشباب العماني الجاد ، لدينا شواطي جميلة لم تستغل بعد للمناشط والفعاليات ، لدينا رمال جميلة كل صباح ومساء تعطينا سنفونية رائعه و اشكال جميلة تدعونا الى ان نذهب اليها ونستثمرها ونحافظ عليها ، هناك استثمارات في الصحة والتعليم ، هناك الاندية والملاعب تنتظر الى من ياخذ بيدها للاستثمار ،هناك التجارة وهي الخير والبركة والنماء لكل من يطرق بابها، ورش الحداده والنجارة والالمنيوم، و ورش اصلاح السيارات ، مهن الخياطة والنتجيد ، كل هذه المهن تدر الاف من الريالات شهريا لكنها للاسف ثروة تستنزف خارج البلد . لدينا موارد نستطيع من خلالها ان نجعل منها قاعدة ننطلق منها لايجاد اقتصادا قويا لهذا البلد، وما الصين واليابان وماليزيا وسنغفوره الا مثالا حيا ، حيث لم تكن لديهم موارد كقاعده ينطلقون منها ، ولكن رقي عقولهم اوجدت لهم موارد . وما اثبته الكاتب الياباني / نوبواكي نوتهارا الاستاذ بجامعة طوكيو يؤكد ذلك قائلا : رايت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية مهزومه وعشت مع اسرتي نواجه مصيرنا بلا اي عون كنا لا نمك شيئا امام الجوع والحرمان ، كنت اعيش مع عائلتي في طوكيو فطوكيو هدمت بالكامل، في الايام الاخيرة من الحرب عرفت كل هذا وعرفت ايضا نتائج مسيرة تصحيح الاخطاء ، وانا بنفسي استمتعت بثمار النهوض الاقتصادي الياباني بعد هذا الدمار .
لا يراودنا ادنى شك من أن عمان الجديدة ستفك القيود عن المحضور من المهن والموقوف من الانشطة والغاء الاشتراطات المعقدة وتسهيل الاجراءات امام التاجر والمستثمر العماني وتوحيد صلاحيات المؤسسات ، التى تخدم قطاع الشباب والقطاع الخاص الذي يعتبر شريان الاقتصاد للبلد .وبلاشك لو فتحت الابواب امام الشاب العماني لما احتجنا الى المستثمر او العامل الاجنبي الذي لا يخدم الا مصلحته، فنقول لكل موظف في اي موقع ما، انتبه عمان اليوم ليست عمان الامس ، ونقول للشباب ابشروا عمان لبست حلة جديدة رغم كل التحديات .
شبابنا مر بمرحله استثنائية لم يدركها من قبل، استوعب الدرس اثناء جائحة (كوفيد19) فهو اليوم ادرك اهمية كل هذا وادرك اهميت العلم والعمل والابداع ، هذا ما اثبتته الايام الاستثنائية ، الشباب العماني بعد اليوم أثبت بانه قادر على التغيير فلن يركن الى الكسل او النوم او السهر ، الذي لا ينتج عنه الا ضياع الفرص ، نأمل من شبابنا ان يحافظ على أمن واستقرار هذا البلد ويصون مقدراته ومكتسباته مهما كانت المبررات، وان يجعل من عمان وجهه سياحية وبيئة نظيفة ، وديانها وشواطئها ،سهولها وجبالها ، فهي امانه سنسأل عنها امام الله والوطن، نعول على شبابنا ان يحافظ على سمعت عمان، عمان الاخلاق وعمان الامن والسلام ، وان يمثل بلده في المحافل الدولية بما يليق بمكانتها وسمعتها ، وان يحافظ على هويته الثقافية المتمثله في الدين واللغه والوطن والارث الحضاري والتاريخي .