المصلحة تقتضي ذلك
د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري
باحث وكاتب ومؤلف أزهري
تنتشر بيننا مجموعةٌ من العبارات المتوارثة جيلاً بعد جيل، يربو عليها الصغير، ويهرم فيها الكبير، ويجري عليها الناس فيتخذونها حجة حتى تَعوَد الكثير منهم أن يرددها في مواطن مختلفة لتبرير الأخطاء في الأفعال أو الأقوال، وربما يكون رغبة في الحصول على منفعة، أو تحقيق مصلحة مؤقتة، وهذه العبارات تختلف ألفاظها لكن تتفق في معانيها وحيثياتها.
شكا لي صاحبٌ مع اجتياح فيروس (كورونا) قرار أصحاب العمل الخاص به تسريحه من العمل مع كثيرين دون أدنى نظرٍ لحاجتهم الوقتية الماسة، أو أحوالهم المعيشية، وبطبيعة الحال واسيته، ولعلّ الله يقدر له ما هو خيرٌ له في أيامه المقبلة، والواقع يشهد أنه ما أغلق بابُ رزقٍ تعنتاً إلا فتحت أبواب، لكني سألته عن حجة القائمين على هذا الأمر فيما أقدموا عليه من عمل شنيعٍ، فكان جوابهم أنّ مصلحة العمل تقتضي ذلك.
عدتُ لنفسي متأملاً في هذه الكلمة الرائجة الحاملة لمعانٍ شتى، وقلتُ: إن أقطع حجة في زماننا عند كثيرٍ من الناس كلمة (المصلحة)، فإن هم تجادلوا في أمرٍ ما يُقدمون عليه أم لا يقدمون قيل: إن المصلحة تقتضي ذلك أو لا تقتضيه، ولهذه الكلمة مع أخواتٍ لها شائعاتٍ حجةٌ في أمورٍ واهية، أو حجةٌ على أمورٍ نافعة للتخلص منها.
إن الواقع يشهد أن هذه الكلمة “المصلحة” أخذت حجماً أكبر من حجمها بحيث أصبحت تؤول وتفسر حسب المصالح الشخصية أو المنافع الحالية، وليس لها ارتباطٌ بحقوق الغير، أو التفاتٌ لإنسانية الآخرين، أو اعتبارٌ لظروف الآدميين، وكان لها الجدل المستمر في كثير من الأمور؛ بحيث شاعت واتكل عليها كثيرون، فعادة ما يعتمد عليها مَن حصل بينهم نزاعٌ أو سوء فهم في أمرٍ ما.
يستدل دوماً أرباب الأعمال الخاصة على العاملين معهم بهذه الكلمة، فإذا طالب بعض الناس بحقوقهم اعتذروا إليهم بمصلحة العمل، وإذا أراد أربابُ العمل التخلص من أحدٍ فلا أسهل عليهم من هذه الكلمة، وهم بذلك يريدون أن يجعلوا العقل وإن شئت قلت: الآداب العامة أو الإنسانية أسيرة هذه الكلمة (المصلحة)، وما المصلحةُ إلا حسنة من حسنات الأخلاق وصنيعة من صنائعه لو كانوا يفقهون.
والحقّ أن هذه الكلمة لا يجب أن يعتمد عليها، بل يجب أن يكون الاعتماد على أمور واضحة للجميع، وهي ما تعرف بالمعايير والحقوق، فهذه المعايير يلزم التحاكم إليها عند الاختلاف سواء أكانت المعايير في مصلحتي أم خارج مصلحتي، كما لابد من النظر في وقت الأزمات ليس إلى تحقيق المصلحة الخاصة للعمل، بل النظر إلى مصالح الجميع، هذا الذي يجب أن يكون مع الأخذ في الاعتبار أن هناك فروقاً بين المعايير وروح المعايير.
وأما الشباب الصاعد فآن لهم أن يلتفتوا لحالهم وألا يجعلوها ألعوبة في يد غيرهم؛ بأن يتحصنوا بالمهارات، ويكتسبوا المهارات، ويطوروا الإمكانيات، فهناك أناسٌ لا تعبأ بأحوال غيرهم، وليس هناك في الدنيا أسهل من التخلص منهم دون تحقيق أدنى شروط التقييم الحقيقي، فإذا صادفتم هؤلاء –ولابد- فليكن حينها معكم من الإمكانيات والمهارات ما تتوكأون عليه في شدتكم ، وانظروا دوماً إلى الأشياء التي تستندون عليها، والله سبحانه كريمٌ رحيمٌ بعباده.