بقلم / علي بن مبارك اليعربي
الاخصائي الاجتماعي بمدرسة مازن بن غضوبة بولاية سمائل
يكبر الفرد منا وتتغير معه نظرته للحياة و يكبر طموحه و تطلعاته للمستقبل، وينطلق بالتفكير نحو الانتماء والتكوين الأسري والاستقرار النفسي والاجتماعي، ولكي يؤمن لنفسه ذلك يسعى جاهدا للحصول على العمل، فهو شرط أساسي لتوفير الاستقرار،كما أنه سبيل التقدم والازدهار، ويعد مصباحا ينير طريق النجاح. لهذا أمرنا الله عز وجل بالعمل و جعله من ضمن العبادات في قوله تعالى في محكم التنزيل(فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)سورة الجمعة (10).
وهذا يعني أن العمل خلق حميد وأدب دأب عليه الأنبياء والمرسلون ومن ورائهم الصالحون، وهو صفة يتحلى بها الناجح منا، ولن يتأتى هذا النجاح إلا من خلال إتقان العمل وإنجازه وإظهاره بصورته الإبداعية والتي بها يقدم الفرد نفسه للمجتمع ليس من خلال المكاسب المادية التي يجنيها منه فحسب بل مكاسبه المعنوية التي تعطي صاحبها الثقة والاعتزاز بالنفس، كما أنه إحدى أدوات التواصل الاجتماعي الجيدة ويساعده على بناء حلقات من العلاقات المتماسكة و المترابطة ليحقق التطور ويسهم في الحصول على دعم من يقدم لهم ذلك العمل، بالإضافة إلى ما يقدمه ذلك الإخلاص والإتقان من تطوير في بناء النفس وتهذيبها،كما ينمي ويصقل شخصية الفرد ويعزز الصحة النفسية لديه مما ينعكس على الصحة الجسدية ويجعل له كينونة في المجتمع. وكل ذلك يأتي من خلال تقبل الآراء والسعي إلى معالجة الأخطاء والاعتراف بها وهو خير وسيلة لتصويبها.
ولن يتأتى ذلك إلا من خلال سمة وصفة يجب أن يتصف بها كل منا وهي *الانتماء* حتى نشعر بمسؤولية ما نقوم به. فنحن بحاجة ماسة إلى حب ما نقوم به من عمل و بأن تكون لدينا قناعة تامة بأن هذا جزء لا يتجزأ من حياة نعيشها وهذا إحساس من أعماق أنفسنا يترجمه الإخلاص والتفاني في إنجاز ما أوكل إلينا من عمل بصدق وإخلاص ليرتقي بالقيم والمبادئ حتى ينتمي الفرد للصفة الإنسانية.
و يتجسد هذا الانتماء بعدة سلوكيات ومواقف تعكس مظاهره الإيجابية، وليكون ذلك ممكننا يجب عليك عزيزي عدم الالتفات لمناصب ومسميات وظيفية قد تبعد عنك صفة الانتماء فيما تقوم به من عمل وما تنجزه ليجعل ذلك منك قيمة مضافة للزمان والمكان الذي تعيشه وتشغله بغض النظر عن مسماك الوظيفي، فعندما تسأل فإنما تسأل عن دورك فيه لا عن منصبك، وسوف يؤصل ذلك الانتماء للعمل تكوينك المهني و تعلو همتك ومهارتك و يتغير ذلك العمل من مجرد وظيفة إلى مهنة وحرفة تبدع فيها وتؤديها بمنتهى الدقة وبكل احتراف وإتقان.
وما نشاهده ونسمعه للأسف من تذمر و تدني مستوى الرضا الوظيفي يعيدنا للوراء ويشعرنا بعدم الثقة بأنفسنا والشك في إمكانياتنا و قدراتنا الشخصية.
لكي تكون مقداما في العمل ثق بنفسك ولاتضيع وقتك في التذمر والشكوى مهما كانت الظروف، وكن على يقين بأن الأمور سوف تسير للأحسن إذا تمكنت من معرفة كيفية استثمار تلك الظروف والمواقف الصعبة إلى فرص قد لا يمكن الحصول عليها في قادم الأيام.
لذا عليك عزيزي القارئ تعزيز قناعتك بما تنتمي إليه وأن تقدمه على مصالحك الشخصية، مما سيؤدي بك إلى إتقان العمل و امتلاك أدق تفاصيله بحيث يمكنك ذلك من الإبداع والتميز فيه، و هذا نمط من أنماط السلوك الإيجابي الذي يقود إلى رقي الحضارات و استمرارها و يعكس انتماء الأفراد للجماعة وعلو شأنهم في الدنيا والآخرة مصداقا لقوله تعالى عز وجل : (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى اللّه، وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين).
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا).
وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).صدق الله العظيم.
