كن عصا نفسك
علي بن مبارك اليعربي
الاخصائي الاجتماعي بمدرسة مازن بن غضوبة بولاية سمائل
لكي تعيش هذه الحياة وتأخذ منها ما تسر به نفسك يجب عليك ألا تصطصعبها كما لا يجب أن تستسهلها تماما بل تخيلها قطعة من المعادن أو الخشب أو الصخور وأنت ذلك الفنان التشكيلي يصب جل فكره على نحت مجسم ثلاثي الأبعاد بحيث يتضمن العرض والإرتفاع والعمق و يجعلها تتفاعل مع بعضها البعض و هذا ما يسمى بالعالم الإفتراضي و ينطبق هذا الأمر على المكونات الثلاث للعلاقات الإنسانية فهي ذات المكونات والأبعاد الثلاثة.
فالبعد الأول، العلاقة بالنفس وهو محور أساسي نابع من ذات الإنسان فإن استطاع فهم نفسه وعرف احتياجاتها، وأحكم تحريك علاقته بها انعكس ذلك إيجاباً بعلاقته بغيره، أما البعد الثاني فهو العلاقة بالآخرين والتي تنطلق من مبدأ التنظيم الجيد لعلاقاتك بالناس ضمن طابع متحرر من المصلحة الذاتية، والبعد الثالث والأقوى على الاطلاق ألا وهو العلاقة بالله تعالى، فهي العلاقةالأرقى والأفضل كونها الموجهة والضابطة للأبعاد الثلاثة للعلاقات الإنسانية وهذا سيجعل منك نحاتا وفنانا بارعا يمكنك من تجسيد وضبط معالم الحياة و تعيش واقعها وعالمها الافتراضي وتستمتع بذلك من خلال فرض التوازن بين تلك الأبعاد الثلاثة مع تناسق و تناغم جوانبه النفسية والإجتماعية والثقافية.
ولن تتمكن من ذلك إلا بتهذيب نفسك بحيث تكون عصا نفسك ، فكل منا يعرف حقيقة نفسه ولا يجهلها إطلاقا هو بصير هو يعلم حقيقة نفسه من دون شك فالكل لا يستطيع أن يجهل نفسه إطلاقا لأن الله عز وجل يقول:﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)﴾سورة القيامة .فأي مكروه يصيبك من غيرك يجب عليك أن تراجع فيه نفسك. وتسألها كيف حصل ذلك؟و لماذا حصل؟ وتأكد عزيزي بأن ما ينالنا في هذه الحياة خيرا كان أم شرا هو نتاج سلوك قمنا به قد يكون ذلك السلوك غير مقصود وقد لا تعي تمام ما قمت به تجاه الطرف الآخر كما أنه ليس بالضرورة أن تكون فعلا قد قمت بأي سلوك.
ولكن كانت تلك ظنون ووساوس أنتجت ردة فعل تجاهك ومع ذلك أقول لك عزيزي وجب عليك التعرف على ردة الفعل تلك من خلال الإتزان السلوكي والإنفعالي وامنح نفسك فرصة التعرف عن سبب السلوك المضاد وايضاحه حتى توجد التوافق والتوازن لذلك الفعل. ولن يكون بمقدورك فعل هذا إلا من خلال العودة إلى نفسك ومحاكمتها محاكمة عادلة ترفع بها من قدرك بين الناس فلا تخشى قول الحق ولو على نفسك فحين يحسب الإنسان نفسه يكون بذلك ينفذ أمر الله في قوله سبحانه﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)﴾
لذا عليك أن تكون مكان ذلك الفنان وتضبط العرض أي من خلال ما تعرضه من سلوك وتعامل نحو الآخرين.فالدين المعاملة. والإرتفاع بحيث تكون ذي قيم وخلق رفيع و العمق هو ما يتصف به الإنسان من رحابة صدر وعمق في التدبر والتفكير بكل هذا تسعد نفسك وتجعل المتعامل معك يشعر بالقرب منك وكأنه يعيش بداخلك.
ولن يحدث معك ذلك فعلا إلا إذا كنت عصا نفسك ومقيمها حتى تبعدها عن الصراع مع الآخرين. فكما يقال : بيدي لا بيد عمر