أن ترضى بأي مستوى من العلاقة
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
تقيٌم العلاقات الاجتماعية القائمة بين: ذوي القربى؛ الأرحام؛ الأصدقاء؛ مجموعات الحارة؛ أو القرية؛ على أنها من أعقد العلاقات الاجتماعية بين أطرافها المختلفة، ذلك لأنها قائمة على ثيمة رئيسية، وهي الذات الاجتماعية، ولا غير، حيث تخرج عن إسقاط المصالح الخاصة بين أفرادها في لحظات التلاحم هذه، وأنا هنا أتكلم عن تكتل “حمولته” الاجتماعية كاملة، ولا أجزئها على العلاقات الجانبية التي ترتبط تلقائيا بمصالح بين هذا وذاك في ذات المجموعة، ولذا تجد أنه عندما يكون عند هذا الفرد، أو المجموعة حدثا ما؛ سارا، أو محزنا، تجد الجميع في صف واحد؛ مشكلين لحمة يمكن القياس عليها على أنها من أجمل اللحظات التي تعيشها المجموعات الإنسانية في لحظات انعتاقها من مصالحها الخاصة، حتى وإن كان بين البعض منهم شيئا من الصدام الخفي، تختفي حالات التشنج في تلك اللحظات، ولا يظهر إلى صوت العقل الحيادي في تلك اللحظات المهمة في حياة هذه المجموعة؛ أو تلك.
ولذلك ينظر إلى هذه العلاقات في هذه اللحظات أو المواقف الحاسمة في حياة المجتمعات، على أنها من أصدق العلاقات، وأجملها، حيث تسودها الشفافية، وتتداخل بين جنباتها الرحمة والرضا، وهي من أجمل صور السمو الإنساني في لحظات انعتاقه من إشكالياته المريضة المصاحبة له طوال اليوم، والتي توجه دفة اتجاهاته نحو الغرب أو نحو الشرق، في حالة التردي وعدم الاستقرار، وهذا أمر طبيعي في ظل “الفهم” على أننا بشر، تسيرنا مشاعرنا وعواطفنا، ونحن نستسلم لها بصورة مطلقة في كثير من الأحيان.
تأتي الإشكالية هنا، على أننا نظل في كثير من علاقاتنا الإنسانية مرهونين بما هي عليه، وبما هو سائد في عرفها الاجتماعي، لا غير، وبالتالي فإن حاولت الخروج قليلا عن ما هو مألوف؛ ستأتيك السهام من كل الجهات الأربع، وستظهر للجميع على أنك المخطئ في إقدامك هذا، وهذا ما يعرف عند علماء الاجتماع بـ “الابتزاز العاطفي” وهو في تعريفه المختصر: “حيث يهددنا القريبون منا بالعقاب ما لم نفعل ما يريدون”. لذلك عليك ” أن ترضى بأي مستوى من العلاقة” كما هو العنوان أعلاه، وأن نسلم لهذا الأمر تسليما مطلقا، حتى، على الأقل، نكون في منأى من السهام المصوبة علينا من كل صوب، وهي سهام لا ترحم كما هو معروف، لأن “وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء: من وقع الحسام المهند”.
هذا الأمر يقينا ليس حالة صحية حتى في تداخلات العلاقة بين أطراف ذوي القربى، لأن مبدأ الصراحة والمصارحة يجب أن تكون حاضرة، وبقوة في وشائج هذه العلاقات، حتى لا يبقى هناك شيء من الـ “اللمم” وتكون النيات صافية، والنفوس هانئة، هذه الصورة بهذا التجلي تصبح مطلبا في حياتنا كبشر، وهي من ضرورات الدين، ولكن لأننا بشر، يستحيل تحقيقها بنقاوتها هذه، وبشفافيتها هذه، وبتجليات وشائجها هذه، ولذلك نعود دوما إلى مربعنا الأول لنجد فرصة “جلد الذات” ونهين هذه النفس التي تحتاج إلى كثير من التعزيز والتحرر لكي تسمو بفعلها الإنساني، فلعلها بذلك تترقى عن سفاسف الأمور، وتعلي من قيمة هذه العلاقات القائمة بيننا كأناس اجتماعيين كما ينبغي، وهذا حلم جميل، يقينا لن يتحقق، ولكن علينا أن لا نلغيه من ذاكرتنا الحاضرة، حتى نبقى عليه، ننام ونصحو، وهو يدغدغ مخيلتنا التي تمارس علينا هي الأخرى “الابتزاز العاطفي” ونظل مرتهنين لبقاء الحلم.