ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا
سليمان المعمري
إن حفظ النفس مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية ، لأجل أن تستمر في تحقيق رسالتها التي أراد لها وهي عمارة الأرض، وتنفيذ الغاية الأسمى من خلقها وهي عبادة المولى عزوجل ، لذا كان لزاما الحفاظ عليها وصونها ، وأن تنعم بحياة كريمة وعزيزة.
ولأن الأمر بهذه الأهمية ، فقد شرع الإسلام أحكاما لحفظ النفس ، وإدامة بقاءها ، وتسخير كافة الأسباب لتكون بمنأى عما يزهقها ويُودي بها إلى مهالك الضياع والهلاك ، وأن كل ما من شأنه يؤدي إلى إحياءها هو إحياءً للحياة ، يقول المولى عزوجل :(مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)[سورة المائدة 32]
إن ما نراه اليوم من الاستهتار الواضح والتهاون المتعمد من قبل بعض أفراد المجتمع في مخالفة التعليمات الخاصة بالوقاية من فيروس كورونا لهو ضرب من ضروب قتل النفس والإصرار على إزهاقها ، دونما مراعاة أو إدارك لفداحة الأمر وعِظم شأنه.
ولا أعلم لما الإصرار والتعدي على التعليمات والتوجيهات والتدابير التي وضعت لأجل مصلحة الجميع؟ متى سيدرك أولئك المخالفون حجم الجهود المبذولة في هذا الشأن ، من رعاية صحية ومتابعة أمنية وإنفاق مالي لتغطية تكاليف هذه الأزمة ، وتوفير كافة المتطلبات الحياتية والمعيشية للتعامل مع الوضع الراهن.
متى سيدرك أولئك المستهترون التضحيات الجليلة التي يقدمها خط الدفاع الأول وهم العاملين في القطاع الصحي ، وحجم الخطر الذي يحوم بهم وهم يتعاملون مع المصابين بالفيروس ومدى احتمالية انتقال العدوى إليهم ، تاركين أهليهم وذويهم لكبح جماح هذه الجائحة؟؟؟
أم متى سيدرك أولئك المتهاونون أن أرقام الإصابات اليومية في تصاعد ، إلى جانب تنامي أرقام الوفيات ، وذلك بسبب استهتارهم وتهاونهم ، وعدم المبالاة بالعواقب الوخيمة ، والتفكير فيما يؤول إليه تجاوزهم المتعمد للإرشادات والتعليمات.
ثم لماذا بعد كل هذا الاستهتار والتهاون ، تجدهم يتأففون ويتذمرون إذا ما عمِدت الحكومة إلى اتخاذ قرارات أكثر صرامة وحزما لعدم امتثالهم للتعليمات السابقة ؟ أليس هم بمخالفتهم من أوصل الأمور إلى هذا الحد؟ أليس فيهم رجل رشيد؟ ، أليس هناك حس للمسؤولية والأمانة تجاه هذا الوطن الغالي؟ لماذا لا يفكرون في أبناء الوطن الأوفياء الذين يقدمون الواجب الوطني في مختلف القطاعات لأجل سلامتهم وحمايتهم؟؟؟
كفانا استهتارا وتهاونا ، ولنكون أكثر جدية ووعيا وإدراكا ، وأن نلتزم بكل ما فيه مصلحة الوطن والعباد ، وأن يقوم كل بدوره ، كما أن على أرباب العمالة الوافدة توجيه عمالتهم بذلك وتوعيتهم وكذلك متابعتهم ، فالكل راع ومسؤول عن رعيته.
وختاما لا يستدركنا كثرة المكوث في البيت واتباع التعليمات والإرشادات إلى المخاطرة بأرواحنا وإلحاق الضرر بالآخرين ، ونكون سببا في قتل النفس وينالنا الأثم، ولنكون على ثقة ويقين بالله بأن هذه الغمة ستنجلي، وإنها أمر بقدر منه جلت قدرته ، وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.