من يجلس على التل؟
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
أمتحن نفسي، أولا، عندما أطرح سؤالا مباشرا كهذا، فالأمر ليس يسيرا، وحتى نبتعد كثيرا عن مجمل التأويلات التي تصاحب المعنى، فإنني هنا اذهب بعيدا عن مفهوم “قمة الهرم” في أي موقع كان، فالجلوس على التل هنا هو العيش بعيدا عن منغصات الحياة اليومية، فمجمل ما يحيط بنا؛ له أثر كبير في وخز ضمائرنا، وقناعاتنا، وبالتالي إجبارنا على أن نعيش ولو لحظة ألم ما، وهذا حال كل البشر بلا استثناء، وطبعا يتفاوت هذا الألم من شخص إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، ويتنوع بتنوع الظروف المحيطة.
“الجلوس على التل هنا” معناه الرضا، ومساحة الرضا عندما ننزلها في أعماقنا تعفينا من كثير من المشقة التي يراها آخرون أنها مشقة، فجلب الرزق مشقة كبرى، ولكن الرضا بمستوى الوسطية في هذا العيش هو يعفينا من كثير من الألم، ويترك لنا خيار الجلوس على التل، حيث نرى الآخرين وهم يتصادمون ويتعاركون ويختلفون والمحصلة كلها لا تخرج عن لقمة العيش تلك، التي تتاح من القليل، فقط يبقى المكان مختلف، فأقل أجير يتناول لقمة عيشه تحت شجرة، أو تحت ظل عمارة عملاقة، بينما آخر يتناول لقمة عيشه في آخر دور من أدوار تلك العمارة العملاقة، والمحصلة كلاهما يحصل على إغفاءة يكفيها نصف ساعة من الزمان، لتبدأ معرفة جديدة في مشروع الكفاح الممتد.
“الجلوس على التل هنا” ليس معناه هنا أن نراقب الآخرين في حركاتهم وسكناتهم، لنقف على اخفاقاتهم؛ فننتصر لذواتنا الصغيرة المحدودة، ونتشفى من مصائبهم وآلامهم وأحزانهم، وفقرهم، وضعفهم، فهذا يبدو في قمة الأنانية، فعندما نستظل بمظلة أمان ما، ننسى أنفسنا في حينها ونذهب إلى الآخر لنزاحمه على مظلة أمانه التي يملك، ندعو عليه، ونتشفى من خلال مصائبه التي يقع فيها، على الرغم من أنه لم يلمس أيدينا مصافحا، ولا خدودنا مقبلا، ومع ذلك نلبسه كل عدواتنا له، ونتمنى أن نرى فيه يوما أسودا، فأي ضلالة أكبر من هذه، وأي علاقة أسوأ من هذه.
“الجلوس على التل هنا” أن نقترب أكثر من حواراتنا الـ “منولوجية” مع أنفسنا، أن نتأبطها محبة، أن نغلق عليها أبوابها المشرعة نحو الآخر، أن نجفف الكثير من منابعها الضيقة التي تسعى إلى التضييق على الآخر، أن نحررها من هذا العناق “الأسطوري” الذي مكثت فيه كثيرا منذ المعركة الدامية بين ابني آدم (قابيل وهابيل) منذ ذلك الزمن القديم، إلى هذا الزمن الجديد، أن نقول بملء أفواهنا لا، يكفي، امعانا في التردي، وسوء الخلق، فهذا سلوك الحمقى الذين لا يستقر لهم قرار، وهم ذاهبون أبدا إلى الزوال، حيث نناشد هنا الفطرة، ونناشد هنا الرحمة، ونناشد هنا العفة.
“الجلوس على التل هنا” أن نتقصى إخفاقاتنا تجاه أنفسنا، وتجاه الآخرين من حولنا، فإساءاتنا كثيرة تجاه كلا الطرفين، ونحن مسؤولون عن هذه الإساءات، وليس لأحد سوانا أن يتحمل ذلك، نعم قد نكره هذه المسؤولية ونرى فيها تدخلا في خصوصياتنا، ولكن ما هي خصوصياتنا التي ننازع عليها أنفسنا، ونحن نتعمد، وبملء إرادتنا أن نتقصى الآخر في سلوكياته واشتغالاته، وكأننا لم نخلف إلا لمتابعة هذا الآخر في سلوكياته، وحركاته، وسكناته، بينما نجر الخيبة تلو الخيبة في كثير من محطاتنا الشخصية، ومع ذلك نزكي أنفسنا عندما نتصدر المجالس، وننزل فلان من الناس، منازل السافلين، فأي خلق رديء نمارسه على الآخر من خلالنا.
“الجلوس على التل هنا” حالة من الحياد، يجب أن تحل في كثير من انفعالاتنا غير المقننة، أن نقاضي أنفسنا، أن ننزل عليها الحكم العادل، فالعدالة مطلب مهما كانت نتيجة التقاضي مؤلمة، فما أحلى الألم عندما يكون منصفا حيث تتسع الحياة للجميع، ويذهب مفهوم الإحتكار من حياتنا إلى الأبد.