ابن بار من حسن الاختيار
علي بن مبارك اليعربي
الاخصائي الاجتماعي بمدرسة مازن بن غضوبة بولاية سمائل
عندما يصل الفرد لسن البلوغ يبدأ بتغيير الاحتياجات الخاصة به، وهذا ينطبق على الجنسين ذكرا كان أم أنثى، وذلك من خلال السلوك ونمط التفكير حيث يبدأ الاهتمام بشخصيته، فالصبي يظهر رجولته والفتاة تظهر أنوثتها، و تبدأ مرحلة الانفصال الأبوي والبحث عن الاستقلال والحرية والرغبة في بناء علاقة مع الجنس الآخر. وهذه نتيجة حتمية بسبب النمو الجسدي والنضج الجنسي وهو ما تدل عليه هذه المرحلة أي مرحلة سن البلوغ. حيث تبدأ هذه المرحلة من سن 10 وحتى سن 14 وتختلف من شخص لآخر، كما تختلف حسب الجنس مع تقدم الفتاة عادة في سن البلوغ، مع أن الصبي أو الفتاة لم يصلوا بعد لسن الإدراك. فهذه مرحلة البلوغ في الجوانب الفيزيولوجية فقط وليس من جانب النمو النفسي للبالغين. لهذا السبب أبنائي وبناتي أقول لكم العفة والحكمة هما معصم الحياة للخروج من هذا النفق المظلم والذي لا سبيل لكم بالخروج منه إلا من خلالهما. وسيقودكم ذلك بلا شك إلى ردع شهوات النفس ونزواتها والصبر على جهادها، فمن أعظم الجهاد عند الله جهاد النفس وسوف يساعدكم في ذلك الصلاة وحفظ كتاب الله والعمل به، والاهتمام بالدراسة والتخطيط للمستقبل والتأني وعدم الاستعجال في علاقات قد تبعدكم عن العفة والحكمة نظرا لعدم اكتمال النمو النفسي والاجتماعي، وعندما يحين موعد العلاقات الشرعية (الزواج) عليكم دائما قبل ذلك الارتباط أن تعتبروه تأسيسا لشركة للحياة. ومن الطبيعي عند الشروع في ذلك أو عند إقامة أي مشروع من مشاريع البحث عمن يقول بإدارة وتحمل مسئولياته وتبعات نجاحه وفشله مما يتحتم على الشريكين في مؤسسة الحياة البحث والتقصي ومراعاة الدقة عند رغبتهما في إقامة علاقة زوجية سعيدة وناجحة فكما يقال العرق دساس ولا ينبني هذا الاختيار على مشاعر وعواطف عابرة لا يعدوا كونها نزوة أو رغبة في إثبات الرجولة أو تحقيق صفة الأنوثة من مجرد كلمة قيلت أو كتبت في رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فلا يعني ذلك بأن حبل الود صار موصولا بينك وبينها أو بينها وبينك بل هذا يعني أنك لا تصلحين له ولا يصلح لك؛ لأن باب الشك وعدم الثقة قد فتح بينكما. كما أنك عزيزتي ستفقدين العفة والحياء وستفقد أنت الحكمة والحياء في حال كان التواصل بينكما مستمرا؛ لأنه مناف للقيم الإسلامية والأخلاق والعادات والتقاليد المجتمعية. وقد قال الله في محكم التنزيل {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} سورة البقرة [٣] و مع هذا وذاك فإنكما غير مؤهلين للاختيار الصحيح للعلاقة الزوجية، فكليكما لم يبلغا سن النضج النفسي و الاجتماعي، لذلك تجد الواحد منكم ينتقل من علاقة إلى أخرى دون الاستقرار إلى من يقع وتقع عليه الاختيار، ليكون شريك حياته، وحتى إن تم ذلك فعلا فإن تلك الزيجة غالبا ما تكون فاشلة لأنها ستبنى على الشك وعدم الثقة. وحتى إن استمرت فكيف ستكون تربية الأولاد فيما بعد. ونحن نقول بأن من أنجع أساليب تربية الناشئة هي التربية بالقدوة، فكيف تكون تربيتكم لأبنائكم وأنتم خالفتم الأعراف والقيم والمبادئ الإسلامية. وكما يقال فاقد الشيء لا يعطيه.
لذلك أقول لكما: كونا فطنين في اختيار شريك الحياة فإن العرق دساس. ومعنى هذه المقولة “العرق دساس” أي دخّال بالتشديد، لأنه نزع في خفاء ولطف، ومعناه أن الرجل إذا تزوج من منبت صالح، جاء الولد يشبه أهل الزوجة في الأعمال والأخلاق وعكسه.كما لا يعني بأن الأمر يقع على عاتق الأبناء حيث أن هذه المرحلة يشعر فيها الأبناء بفترة فقدان الاتزان و البحث عن الاستقرار النفسي والاجتماعي ورغبة في الاستقلال والانفصال و بناء علاقات جديدة خارج الإطار الأسري. لهذا يأتي دور الأبوين ليتولوا دفة القيادة بالمسارعة في إيجاد علاقات مبنية على الإنصات والاستماع وتكوين صداقات يسودها الود والألفة والمحبة ليتمكنوا من النصح والإرشاد والتوجيه السليم إلى مختلف مناحي الحياة. مصداقا لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}