عندما يغيب الضمير الحي والرقابة الذاتية
✍️ المهندس خلفان بن ناصر بن سعيد الرواحي
خلق الله بني آدم على هذه البسيطة للعبادة والعمارة إخلاصاً ؛ وتحمل الأمانة بمفهومها الواسع في شتى نواحي الحياة ومراعات كل ما يحيط به للتعايش معه بضمير حي يسعده ،ويسعد من حوله ليكون المجتمع مترابطاً يسوده الوئام والتعايش السليم ، إلا أن طبيعة البشر تتفاوت وخاصة إذا مات الضمير وغابت عنه الرقابة الذاتية وانتشر ضمير الأنا وحب الذات.
فَلَو تأملنا في المفهوم العام للضمير فنجد أن الضمير هو سلوك يتعايش معه كلاً منا فهو قدرة الإنسان على التمييز فيما إذا كان عمل من خطأ أم صواب ، أو التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وهو الذي يؤدي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمهِ الأخلاقية، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كل إنسان وربما يرجع في بعض الأحيان إلى غياب الرادع والعقوبة التي تسن لكبح الوقوع في المحظور ، ويكون عبرةً للآخرين ليتجنب الوقوع في ذلك السلوك أو الفعل الذي يخرجه عن دائرة الضمير الحي وعليه يفشى مرض حب الأنا وتغليب المصلحة الذاتية .
إن أي مجتمع لا يخلو من مثل هؤلاء اللذين لا يكترثون لما يترتب مِن نتائج سلبية ؛ نتيجة غياب ضميرهم الحي والرقابة الذاتية لكل عمل أو سلوك يقومون به ، ولا يراعون مصالح الآخرين بالرغم من وجود الفئة الاخرى التي أكرمها الله بالضمير الحي ،وأخرى مريضة ويعتريها الخلل ولكنها سرعان ما تتراجع قبل فوات الأوان قبل موت الضمير وزوال المراقبة الذاتية للنفس الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.
واقع بات يهدد المجتمع ككل ، من خلال مظاهر غياب الضمير في مختلف نواحي الحياة ، فعندما تسيطر لغة المصالح على حساب أمانة الكلمة وأمانة القول وأمانة الفعل ، وعندما نجد من يتعمد الاهتمام بمصلحته الخاصة على حساب مصالح العباد ، عندما تغيب التربية على الإيثار، ويسود الأنا والكبر ، ويتلاشى التواضع والعطاء، عندما نرى مجتمع يسعى بعض من فقدوا ضمائرهم إلى تأجيج الوضع واستغلال الظروف الداخلية أو المحيطة للنيل بالوطن الذي احتضنه وعاش في كنفه ومن خيراته ولم يراعي فيه تغليب المصلحة العامة بل أكتفى بمصلحته الخاصة ومن يعيش على شاكلته حينها يكون المجتمع ضعيفاً مشلولاً ويكاد أن يكون المرض مزمن ولا يمكن شفاءه .فالضمير الحي عين الله في الأرض وهوالسبيل للنجاح والفلاح ، ولنعلم جميعاً أنه يستحيل إرضاء الناس في كل الأمور ولذا فإنه ينبغي علينا جميعاً أن ينحصر أهتمامنا في إرضاء ضمائرنا ونطهر قلوبنا من أمراضها .
عليه فإنه إذا ما أردنا أن نحقق سعادة النفس وراحة البال ، فلابد من استعادة الضمير الحي ، ولكي ينهض المجتمع لن يتم ذلك إلا من خلال التربية الصادقة للضمير الحي ، وإلى أن نرى الضمير واقعاً يمارس في واقعنا الاجتماعي والسياسي والثقافي والتعليمي ويكون لدينا مبدأ الرقابة الذاتية حاضراً ، مع الأخذ في الاعتبار دور المؤسسات ذات العلاقة وعلى رأسها الأسرة والمدرسة والإعلام في ممارسة دورها الفاعل فى تربية ضمائر أبناء المجتمع الواحد .