2024
Adsense
مقالات صحفية

ماذا لو كانت الحاجة الوحيدة التي تنقصنا هي التعرف على ذواتنا؟ (الجزء الثاني)

فاطمة الزهراء المكلاوي.م
باحثة في علم النفس العصبي المعرفي

إن السؤال حول مفهوم الذات يبقى دربا من دروب المعرفة، وبداية لوضع خطة لمسار الفرد في الزمن، لكن ما يجعل خطوة التعرف على الذات أمرا شاقا عند البعض هو مفهوم الذات نفسه وكيفية إدراك الفرد لهذه الذات، ومساهمة المحيط في إدراكه لها.
مفهوم الذات هو بنيات معرفية يمكن أن تشمل المحتوى والمواقف أو أحكام القيمة التي يستخدمها الفرد لفهم العالم، وتساعده في التركيز على أهدافه، وتحمي شعوره بالقيمة الأساسية (ماركوسMarkus وميوسيرمان MOyserman ، 1998). وهكذا ، فمفهوم الذات هو مجموعة من الأفكار والمفاهيم الذهنية التي تساعد الفرد على طرح أسئلة من قبيل من أكون؟ كيف كنت؟ وكيف سأصبح؟ هذا من جهة.

ومن جهة أخرى يرى(بومايسترBaumeister ، 1998) أن مفهوم الذات هي كل المعتقدات التي تتشكل لدى الفرد حول نفسه والتي تشمل صفاته الجسدية، النفسية، تموقعه الاجتماعي، ووعيه بكل ما هو عليه. بما معناه هو عملية إدراك الفرد لمميزاته الجسدية التي تتجلى في النوع(ذكر/أنثى) اللون، الطول، شكل الجسم (نحيف/بدين)… وخصائصه النفسية من قبيل درجة تقديره لذاته، درجة خوفه والأمور التي تقلقه، الأمور التي تجعله مطمئنا، طموحاته، أفكاره وحتى اللغة التي يتواصل بها… والدور الاجتماعي الذي يلعبه موقعه من داخل المجموعة التي ينتمي إليها أهو موقع قيادي، أم محايد، أم سهل التحكم فيه…
فهذه الخصائص تشترك في سيرورة واحدة هي الإدراك ودرجة وعي الفرد بها أولا، ودرجة تقبله لهذا الواقع ثانيا، ثم أخيرا مدى اشتغاله على صناعة الذات الخالصة أي الذات التي تعمل على صنع الاتزان النفسي والتوافق الذهني.

فعملية الإدراك لا تكون اعتباطية بل موجهة ولها أهداف محددة وتسير وفق إستراتيجية تحكمها وجهات نظر مختلفة باختلاف معتقدات الأبوين. هذا يعني أنه يمكن القول بأن الذات تتشكل منذ الطفولة المبكرة أو المرحلة الجنينية وفيها تبدأ مختلف التفاعلات بين الجنين وأمه وبه مع البيئة التي تعيش فيها. وهذا الأخير اعتبره الأقرب للصواب باعتبار الذات سيرورة لا يمكن فصل مراحل تشكلها أو إلغاء مرحلة يعتبرها العلماء مهمة في النمو وأثبت تجريبيا وكذلك فصل الفرد عن السياق الذي ينشأ فيه، فالجنين يستجيب للأصوات واللغة منذ الشهر السادس وهذا ما تم رصده، إذ لوحظ أنه يسمع الأصوات ويتواصل، يفرح، يغضب، يستجيب لمختلف المثيرات الخارجية، مثل الموسيقى ويميز صوت أمه عن الأصوات الغريبة ويحتفظ به في الذاكرة… (لامبوريي Lamperier، 2011).

فالرجوع للمرحلة الجنينية له تبريره، والقائم على الحساسية الكبيرة التي يتمتع بها الجنين وهو في بطن أمه لمختلف المثيرات الخارجية بفضل استعداده البيوعصبي والذي يساعده على إنجاز مختلف التبادلات والعلاقات الانفعالية والتواصلية مع أمه وأبيه إما عن طريق التواصل الشفهي وسماعه للأصوات كما ذكر سابقا، أو عن طريق التواصل بلمس البطن وتفاعله مع الحركات بأطراف جسمه وهذا ما يمكن تسميته بتحفيز الخلايا العصبية لدماغ الجنين (سيغموند Segmond، 2007).

ومنه يمكن أن نخلص لفكرة محورية مفادها أن ما نحن عليه من سمات نفسية وجسدية وتموقع اجتماعي هو نتيجة لتفاعلاتنا مع الآخر بداية مع “الأم” في المرحلة الجنينية وصولا إلى باقي المحيطين بنا، وهذه التفاعلات تحكمها طبيعة السياق الاجتماعي الذي يعيش فيه هذا الآخر و طريقة تفاعله مع هذا السياق الشئ الذي ينعكس علينا كأجنة في البداية وبعده على حياتنا بأكملها ويعطينا.

وانطلاقا من هذا، يمكن لهذه الخلاصة البسيطة أن تقودنا لنتساءل من جديد مادام طموحنا بشكل خاص يرمي لمعرفة خالصة بالذات وتحقيق توازن نفسي به نحقق الطمأنينة والسكينة لأنفسنا، ولبناء جيل سوي بشكل عام، ما المواصفات الأساسية التي يجب أن تكون في الآخر “الأم” قبل التفكير في الإنجاب مادامت تفاعلاتها مع البيئة وطريقة عيشها تؤثر في حياة الفرد “الجنين” منذ بداية التشكل إلى نهاية حياته؟

ملحوظة:
“بالنسبة للمراجع العلمية التي تم الاعتماد عليها في هذا الشق سيتم عرضها عند الانتهاء من أجزاء المقالة بشكل كلي، وشكرا”

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights