المنصة التعليمية.. للتهدئة أم للتهيئة
بقلم : سيف بن سالم المعمري
ألقت الإجراءات الاحترازية بظلالها على قطاع التعليم بجميع مراحله، منذ أن بدأت السلطنة ودول العالم في تدابير التصدي لجائحة كورونا ( كوفيد-19) والتي لا تزال تحصد يوميا الآلاف من المصابين والوفيات بجميع قارات العالم. الأمر الذي دفع وزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم وجامعة السلطان قابوس والمؤسسات الآخرى المعنية بقطاع التعليم العالي وبمتابعة حثيثة من اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع تطورات جائحة كورونا ( كوفيد-19) إلى إيجاد حلول للتعلم والتعليم عن بعد.
وسأقتصر المقال بالحديث عن المنصة التعليمية الرقمية التي دشنتها وزارة التربية والتعليم لمعلمي وطلاب المدارس الحكومية -منذ أواخر مارس الماضي- وطبقتها على مراحل، بدأت بالصف الثاني عشر، ثم الصف الحادي عشر في المرحلة الثانية، فالصف العاشر في المرحلة الثالثة، ومع مطلع الأسبوع الجاري توسعت خدمات المنصة لتشمل في المرحلة الرابعة معلمي وطلاب صفوف التاسع.
وجاء تدشين مبادرة المنصة التعليمية الرقمية بالشراكة بين وزارة التربية والتعليم وشركة جوجل العالمية وبالتعاون مع الشركة العُمانية للاتصالات “عمانتل” والشركة العُمانية القطرية للاتصالات “أوريدو”.
المبادرة-رغم ظرفية التطبيق– تمثل نقلة نوعية لقطاع التعليم في السلطنة للاستثمار الأمثل للتقنيات الحديثة ومواكبة نظم التعلم والتعليم العصرية والتي أصبحت ضرورة حتمية وليس ترفا. وهنا يحسب للوزارة سرعة الاستجابة مع متطلبات المرحلة، وتهيأت منصة تعليمية تفاعلية بأدوات متعددة تتيح للمعلم وللطالب مساحة مرنة من التفاعل النشط، وتمنح المعلم الأريحية في التنويع في أساليب واستراتيجية التعلم والتعليم لتحقيق أهداف المحتوى التعليمي، وتضمن ديمومة التواصل المتزامن وغير المتزامن بين المعلم وطلابه، بالإضافة إلى توفير أدوات متعددة في التقويم التكويني كالاختبارات والأسئلة القصيرة والفصول الافتراضية وأرفاق المستندات وروابط التعلم عن طريق الفيديو أو المحتوى التعليمي المنشور على اليوتيوب وغيرها، ناهيك عن المساحات التخزينية التي وفرتها الوزارة في المنصة عن طريق Google Drive، ومجانية التصفح ورفع المحتوى للمعلم والطالب لمشتركي “عمانتل” و”أوريدو” …الخ.
ومع الإشادة بالجهود التي بذلت من الجميع، وخاصة المعلمين والذي كانت لهم ولا تزال إسهامات نوعية لتحقيق الأهداف المرجوة من المنصة؛ لكن يؤخذ على الوزارة –رغم إيمانها بأهمية المنصة التعليمية الرقمية- عدم اتخاذ قرار إلزام جميع المعلمين والطلاب بالتسجيل والتفاعل في المنصة؛ وترك الأمر اختياري مع التشجيع على أهميتها في الجانب الإثرائي، ورفع الدروس الجاهزة على المنصة؛ الأمر الذي قيد المعلم عن الابتكار في تقديم المحتوى، واتكالية البعض الآخر، وكان الأمثل للوزارة أن تجعل من المعلم والطالب في حالة نشاط مستمر!
وفي الجانب الآخرى نسمع الكثير من الآراء-من فئات متعددة بالمجتمع- التي تنادي بعدم جدوى المنصة التعليمية الرقمية؛ بسبب ضعف شبكة الاتصالات في بعض مناطق السلطنة، وعدم إلمام بعض المعلمين والطلاب بالتعامل مع الأنظمة الرقمية، وتعلل البعض بعدم وجود أجهزة حاسوب وأجهزة نقالة لبعض الطلاب وخاصة من ذوي الدخل المحدود.
نعم.. هناك مناطق تعاني من بطء في شبكات الاتصالات وفي تنزيل البيانات؛ ولكن هناك خيارات متعددة في المنصة تمنح المعلم اختيار أساليب متعددة (تزامنية وغير تزامنية) لتقديم المحتوى التعليمي وبقاء المعلم متفاعلا مع طلابه، وما يستحق ذكره، فإن السلطنة وخلال العقدين الماضيين قامت بمبادرات عديدة لمحو الأمية الرقمية من خلال تنظيم دورات مجانية ICDL و IC3 لجميع الموظفين، ومبادرة أجهزة حاسوب لطلاب الضمان الاجتماعي والدخل المحدود ونحوها، الأمر الذي يضعف حجة من يعتذر بعدم إلمامه بالأنظمة الرقمية العصرية، فضلا عن ذلك فإن الوزارة أتاحت التسجيل والتفاعل في المنصة التعليمية للمعلمين وللطلاب عن طريق الهواتف الذكية إلى جانب الأجهزة المحوسبة واللوحية وفي أضيق الظروف فإن أسعار الهواتف الذكية التي تدعم الاستفادة من المنصة التعليمية، توجد بأسعار مناسبة جدا و في متناول الجميع، وهنا.. كنا نمني النفس أن نسمع عن مبادرات للبنوك ومؤسسات القطاع الخاص لتقديم أجهزة لوحية وهواتف ذكية لطلاب الضمان الاجتماعي والدخل المحدودة في المدارس، كجزء من المسؤولية المجتمعية في هذه الظروف الاستثنائية.
فضلا عما سبق، فإن الكثير ممن لم يسجل حتى الآن في المنصة لديهم حسابات في مختلف شبكات التواصل الاجتماعي( الواتسآب، والتويتر، والانستجرام، والسناب شات، واليوتيوب، ونحوها)، ومن البديهي أن يكون تسجيلهم وتفاعلهم بالمنصة التعليمية ليس بالأمر المستعصي، وهناك مواد متنوعة في اليوتيوب تتيح المجال للتعرف على طرق التسجيل والتفاعل في المنصة. وهنا نطرح الأسئلة التالية: ما مدى نجاح وزارة التربية والتعليم في توظيف المنصة التعليمية لخدمة عمليتي التعلم والتعليم في الظروف الحالية؟ وهل ستكون هذه المرحلة انطلاقة حقيقية للوزارة للتهيئة للتحول الرقمي في العملية التعليمية أم إنها مجرد مصل لتهدئة أولياء الأمور والمجتمع بسير العملية التعليمية في مرحلة “كورونا” فقط؟!.