ارفعوا راية التسامح
أحمد بن حمد الحضرمي
ليعلم الجميع بأنني لست ذاك المُنزه عن الخطايا والذنوب، وليس منا من هو في دائرة التنزيه شاء من شاء وأبى من أبى، والسؤال الذي أطرحه اليوم باستغراب وتعجب إن كُنا نؤمن بهذه المقدمة لماذا لا نغفر أخطاء بعضنا البعض؟ لماذا لا نرفع راية الحُب والتسامح للمخطئين في حقوقنا؟ لماذا أصبح لدينا اليوم علاقات عمرها عشر سنوات وهناك علاقات استمرت خمسة عشر سنة ويزيد، نراها تهدم في لمح البصر ولأسباب تافهة جدا، إن التسامح من وجهة نظري الشخصية قيمة أخلاقية تساعد على بناء العلاقات في المجتمع وحفظ الذات البشرية والسمو بها في عدم رد الإساءة بالإساءة، والترفع عن الصغائر، وإنني على يقين بأن من أحبك سوف يرفع لك راية التسامح، سيرمم لك علاقتك من جديد، سيقيل لك عثراتك دون مقابل، وسيربت على كتفك لتستمر العلاقة وتستمر الحياة، ومن الجهة الأخرى هناك أيضا من يبحث لك عن الخطأ ليعلن انسحابه التكتيكي السريع وهروبه من العلاقة التي تربطكما معا ليس لشيء إلا لأنه لا يجد أي مصلحة تربطه بك، أو قد يكون بأن مصلحته الشخصية قد انتهت بالنسبة إليه، ولكن العاقل اللبيب يجب أن يعلم أن بعض الأخطاء التي يقترفها البعض سواء بقصد أو من غير قصد هي هدية جليلة سامية أرادها الله سبحانه وتعالى لك شخصيا ليكشف ويبيّن لك الغث من السمين والرث من الثمين لتتضح لك الرؤية بعد ذلك لتخرج بالقرار الحاسم الذي سوف تتخذه سواء بالاستمرار أو غير ذلك، بالرغم من أني لستُ من مشجعي قطع العلاقات لأبسط الأسباب ولكني أنصح بالابتعاد قليلًا قبل قطع أي علاقة وعدم التسرع في اتخاذ أي خطوة سلبية حتى تظهر لك الصورة الواضحة التي تستطيع أن تبني عليها علاقاتك المستقبلية وتقيّمها بكل ثقة ووضوح وثبات، وحتى تدوم العلاقات يجب علينا أن نتغافل عن أشياء كثيرة ولكن أن تصل بعض الأمور إلى أن نتغافل عن شيء اسمه “كرامة” فذلك الشيء الذي لا أظن بأن هناك مخلوق على وجه الأرض يقبل به، ولا أنصح بالانجرار خلف بعض العلاقات التي تخلو من الحب والاحترام والتقدير وأي علاقة بالنسبة إليّ تخلو من هذه الخلطة الثلاثية هي علاقة استعباد ومصالح وأذكر من بين ذلك تلك الكلمات الرائعة لذلك الشاعر العالم المتصوف “جلال الدين الرومي” عندما قال: “إن الوسيلة التي تمكنك من الاقتراب من الحقيقة أكثر تكمن في أن يتسع قلبك لاستيعاب البشرية كلها، وأن يظل فيه متسع لمزيد من الحب”.