المَوتُ التَاسِع والثَمانُونَ
عزماء الحضرمية
رَسَى الخَوفُ وانقَطَعَتْ سُبُلُ النّجَاةِ، انْقَشَعَ سِحْرُ البِدايَاتِ الذِي آمنّا بِه، زَهَقَ الحُبُّ وانْطَفَأ كُلّ شَيءٍ دُونَه، ولا أزالُ – أنا – عَالِقَة فِي المَسَافَةِ التِي خَلّفَهَا كَانُون الثّانِي؛ ليَسْتَقْبِلَني نِيسَان بَهذَا القَدرِ الهَائلِ مِنْ حَفاوَةِ النّهْشِ والنّبْشِ المُؤلِم عَلَى جدْرَانِ ذَاكرَتِي الصّدِئَةِ. يا ذِكْرَايَ القَاسِيَة! وإنّي لأُهَنّئَكَ عَلَى هَذَا الكَسْرِ؛ فَارْسُمْ خَارِطَةَ رَحِيلِي فِي عَيْنَيْكَ، فَقَدْ نَادَى بِالحُبّ كَثِيرُونَ قَبْلَك، فَفِئةٌ لَمْ تَفِ حَقّ هَذَا الحُبِّ فَضَلّتْ سَبِيلَه، وأُخْرَى لَمْ تَقْوَ عَلَى كَسْرِ قُلُوبِ مَنْ هُمْ بِحَاجَتِها، فَوفَتْ وَأَخْلَصَتْ، ” وأنَا وأنْتَ ؟ ” مُعَلّقَيْن فِي نَصّينِ، تَجْمَعُنَا كَلِمَة، ويُفرِقَنَا حَرْف، يَا للمُعَادَلَةِ البَائِسَةِ!
تِلْكَ المَسَافَات التِي تَفْصلُ بَيْنَنَا تُشبِهُكَ كَثِيرًا، تُشْبِهُ الجَحِيمَ الذِي طَوّقَ حَيَاتِي مُنْذُ مُدّة، تُشْبِه الخُذْلانَ في عَيْنَي حَبيبَةٍ نَهَشَ قَلْبَها الانْتِظارُ، لَمْ أَكُنْ لأُسْمِيكَ ” لَيْل رُوحِي ” لَو كُنْتُ أَعْلَمُ مَا سَيُصِيبُ هِذِهِ الرُّوحُ حَتّى تَنَفّسَ الصّبْحُ ألَمًا وحَنِينًا، إذْ كَيْفَ لِهَذَا الشّوقِ الفَيّاضِ أنْ يَسْتيقِظَ دُفْعَةً وَاحِدَة! ومَا كُنتُ لأُسْكِنُكَ غُرفَات هَذَا القَلْبِ لَو كُنْتُ أَعْلَمُ أنّكَ سَتَهْجُرها، مَا كُنتُ لأفْعَل، مَا كُنْتُ لأعْتَرِف! أخْبِرْنِي مَا أُسْمِيكَ بَعْدَ كُلّ هَذَا؟
أَزِفَتْ السّاعَة الثّانِيَةَ عَشَر بَعْدَ مُنْتَصَفِ الشّوْقِ، إنّهُ المَوتُ التَاسِع والثَمانُونَ قَبْلَ المائة، ولا تَزَالُ أنْتَ سَيّدَ الكَلِمَةِ، مُتَربّعًا عَلَى عَرْشِ قَلْبِي، مُحْتَكِرًا كُلّ نَصّ أكْتُبُهُ فَلا يَكونَ إلّا لكَ .. وإليْكَ، ولا تَزَالُ تُلْهِبُ جُرُوحِي فِي كُلّ مَرّة فَتكْسِرُ وتَنَهُشُ، تَنْبُشُ، تَفْتِكُ، تُؤذِي، تُوجِعُ ت… وَتَطلُبُ نَصًّا في كل مرّة؟
فأخرّ حُزْنًا بَعْدَ خَسَارَاتِي الفَادِحَةِ لِأَكْتُب
انْتَصَرْت!