فضائل شهر شعبان
بقلم د / عبدالحكيم أبوريدة
شهر شعبان هو الشهر الثامن من شهور السنة القمرية، أو التقويم الهجري ، وقد كانت تسمية هذا الشهر كباقي الشهور في عصر ما قبل الإسلام ، قال ابن حجر في فتح الباري(٤/٢١٣) وسمي شعبان لتشعبهم في طلب المياه ، أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام، وهذا أولى من الذي قبله ، وقيل غير ذلك.
شهر شعبان في الإسلام وفضله:
ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان ، فإنه كان يصوم شعبان كله) وفي رواية لهما عنها رضي الله عنها إنها قالت:( كان يصوم شعبان إلا قليلا). وورد عنها أيضا أنها قالت:( كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لايفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان).
وقد بين العلماء سبب صوم رسول الله صلي الله عليه وسلم في شعبان فقد ورد عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: قلت يا رسول الله! لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟، قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم). رواه النسائي وحسنه الألباني.
ومن هذا الحديث يتبين لنا سبب صيام الرسول صلى الله عليه وسلم لشعبان ، والحديث يشتمل علي سببين:
الأول: أنه شهر يغفل الناس فيه عن الصوم، والعبادة وقت الغفلة ومكانها لبمكانٍ.
ويدل علي ذلك أحاديث كثيرة منها، قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من دخل السوق فقال لا إله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو علي كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة). رواه الترمذي
وإنما خص السوق بذلك، لكونه مكان غفلة، والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصى.
الثاني: أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى .
والأعمال ترفع كل يوم وكل عام، ففي شعبان ترفع الأعمال كما أخبر نبينا صلي الله عليه وسلم ، وفي كل يوم ترفع أيضًا ، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه ، قال:( قام فينا رسول الله صلي الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: أن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه ، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور…… الحديث
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (٣/١٣) المراد بالقسط الرزق الذي هو قسط كل مخلوق، يخفضه فيقتره ويرفعه فيوسعه ، والله أعلم.
– ومن الأعمال التي يستحب للمسلم فعلها في شهر شعبان، قراءة القرآن وذلك لقول ( سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي التابعي: أن القوم كانوا إذا جاء شهر شعبان تفرغوا لقراءة القرآن وتدبره والعمل به حتى سُمي بشهر القرّاء).
– وكذلك من الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يفعلها في شهر شعبان ، الصدقة ولو بشق تمرة،وصلاة النوافل وقيام الليل، والأذكار وهي الباقيات الصالحات، وإخراج زكاة الاموال حتي يتقوي بها الفقير علي صيام رمضان، والدعاء، وغيرها من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم الي الله عز وجل.
ليلة النصف من شعبان:
صح في ليلة النصف من شعبان أحاديث ثلاثة
الأول: أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:( يطلع الله عز وجل على خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن).
الثاني: ما أخرجه البيهقي وصححه الألباني في الترغيب والترهيب وقال صحيح لغيره وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:( يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان ، فيغفر للمؤمنين ويُمهل الكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه).
الثالث: ما أخرجه ابن ابي عاصم في السنة وقال الألباني في ظلال الجنة صحيح لغيره وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:( ينزل ربنا تبارك وتعالي إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لأهل الأرض إلا لمشرك او مشاحن).
ومن مجموع هذة الأحاديث يتبين لنا أنها ليلة مباركة ، ينزل فيها ربنا إلى السماء الدنيا، والليلة تبدأ من غروب الشمس ويكون النزول في الليلة كلها، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله أن الدعاء يستجاب فيها،
ولكن لا حظ للمشرك أو المشاحن من هذة المغفرة ، أما المشرك فلأن الله قال( ا
أن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) النساء الآية48
وأما المشاحن فقد حرم نفسه من الخير، ففي الحديث الذي رواه ابوهريرة رضي الله عنه والذي جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس ، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا، قالها ثلاثا).
هذا وقد وردت أحاديث اخري في فضل ليلة النصف من شعبان منها ما رواه ابن ماجة في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها). وبالرغم من ضعف الحديث فإن العلماء قد أفتوا بالعمل بالحديث الضعيف إذا كان فيه الترغيب في الأعمال الصالحات ، وكان تحت أصل من أصول الشريعة الإسلامية.
هذا ويقتضي التنبيه إلى أن صيام الأيام القليلة التي تسبق شهر رمضان مكروه إلا من كانت له عادة كصيام داوود عليه السلام فقد كان يصوم يومًا ويفطر يوما وذلك للحديث الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صومًا فليصمه).
هذا ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يرفع عنا وعن جميع خلقه الوباء والبلاء وأن يؤمنا في ديارنا وأوطاننا إنه ولي ذلك والقادر عليه
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.