عُقم العقول
بقلم : خميس بن محسن بن سالم البادي
لم أتوقع أن أكون مزاحمًا لكوكبة روّاد القلم والكلمة خاصة من الإخوة أبناء هذا الوطن العزيز، ممن كان لهم قصب السبق في السرد عن حديث الساعة الراهن ألا وهو (السيدة كورونا أو السيد فايروس كورونا- أيهما أقرب للصواب)، و ذلك لما أسهبوا وأبدعوا فيه من القول المنظم عن هذه الجائحة الطارئة ومن جوانبها المختلفة، والذين كان جل هدفهم تطهير كل ما من شأنه أن يخدم المصلحة العامة، دلالةً منهم على غيرتهم التي يتميّزون بها نحو هذا الوطن المعطاء كغيرهم من أبناء عُمان الأوفياء، و لكن الظروف الإيجابية منها خاصة و التي أثبتها واقع الحال المُعاش أبى أمامها القلم أن يبقى متسمّرًا متفرجًا في وضعية الارتكاز داخل موضعه دون أن يخوض بصاحبه في الساحة لألقي بدوري ولو جزءًا من لغو في الحديث في شأن هذه الجائحة، التي جمّدت الحياة البشرية في أغلب دول العالم إن لم يكن كافتها و هم أحياء، جزعًا من أحد جنود الله تعالى اعتبره المرء عدوا مخفيا قاتلًا له كونه لا يُرى بالعين بصرف النظر عن سببه في الكون، و هلعًا من وقوع ما لا يحمد عقباه حيث قد يبلغ حينها السيل الزبى- لا قدّر الله-، فكانت بلادنا بفضل الله تعالى ثم بأبنائها البررة قد اتخذت إجراءات احترازية مبكرة، عززّها جلالة السلطان المعظم- حفظه الله و رعاه – بلجنة عليا معنية بمتابعة تطورات الجائحة، و منحها صلاحيات اتخاذ ما يناسب من إجراءات للحد من تفاقم و انتشار الوباء بين المواطنين و المقيمين على السواء، فشكرا لا يحده زمان و لا يحيط به مكان دون أن يبلغ مداه أحدا لأحدٍ كان، و الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه..
حيث و أنا أشرع في صياغة كلمات و جمل و فقرات هذا الحديث، في داخلي زهو ينم عن فَرح و سعادة ربما هما عما سبق من التهميش للطاقات المتجددة و الكفاءات المنتجة و القدرات المعطاءة الوطنية، و أستذكر كذلك و أنا أهم بالكتابة حديثا للراحل جلالة السلطان قابوس- رحمه الله تعالى-، الذي قال حين قرر إنشاء جامعة في السلطنة، بأنه عرض فكرته السامية على البعض و شاورهم في الأمر فمانع بعضهم و لم يبارك الفكرة بحجة كما وصفها السلطان الراحل – رحمه الله- وفقا لمبررهم له حينها، بأن الأمر لا يستدعي حاليا (في تلك الفترة) إلى وجود جامعة في السلطنة و أن الابتعاث للخارج هو أكثر توفيرا للمال من تشييد جامعة، مضيفا – رحمه الله- بقوله (نحن نشاور و لكن إذا قررنا و عزمنا توكلنا و هذه هي الجامعة اليوم) جعل الله لحده روضة من رياض الجنة و أعلاه إلى مكانة الشهداء و الصديقين.
إذًاهو الفكر( العقيم الآسن المتحجر المتخلف الراكد) سمّوه ما شئتم، و قد يكون أسوأها الفكر(المغرض)، و لا ريب أن مثل هذه العقول التي في داخلها مثل هذه الأفكار هي عقول رجعية خبيثة مرتبط غالبها و بدناءة بمصالح شخصية بحتة قد يكون لها علاقة بإيقاع الضرر بمصلحة الوطن سواء أكان ذلك بقصد أو بجهل أو حتى عن سهو، و من ثم فهي لا تمت بصلة إلى نماء و تطوّر و تقدّم هذا الوطن الذي ننشده جميعا و نسعى إلى تحقيقه على الواقع و هو براءٌ من هكذا نماذج من البشر، حيث نرى ذلك يتجلى اليوم من خلال هذه الجائحة الكورونية التي نسأل الله تعالى لنا أن يكشف عنا غمتها و يفرّج كربها، فاليوم يظهر الحق و يزهق الباطل، يحلّق الحق في سماء العطاء و بدء الإنتاج، و تتكشّف حقائق الباطل الواضح أساسها للصغير قبل الكبير بما يحمله هذا الباطل من خطط ممنهجة نحو نهب خيرات البلد و تأخير عجلة دوران اقتصاده و نموّه و ازدهاره، فلم تظهر أية بوادر تؤكد مصداقية و شفافية و حسن نوايا وجود هذه العمالة المتربعة على عروش القيادة في السوق العمانية، تحت أجنحة قانونية صحيحة ولكنها للأسف أجنحة بهامة كبيرة إلا أنها بزغب فرخ صغير للبعض منهم، فقتلت نفوسهم ضمائرهم في داخلها، و أحاطت العقل بالتبلد و التحجر منقادة منساقة وراء ملذات النفس مغلبةً المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، و في هذه الظروف الاستثنائية هذا هو العماني يسطّر أروع المُثل ليس في الداخل فحسب بل حتى في الخارج، حيث خرج المارد من قمقمه فصنع الكمام و المعقم و جهاز التنفس و أجرى بعض التعديلات على الأقنعة الخاصة بالتنفس لتكون فعالة عند نفاذ ضغط الهواء بملاحقها و غيرها من المبتكرات و المخترعات، و تطوّع في خدمة المحجورين المعزولين، أتيحت له الفرصة فأنتج بإبداع وسطّر ملحمة وطنية كما كان في أزمات سبقت(جونو مثال)و(فيت و مكونو)شاهديْ إثبات وعززنا بثالث(كورونا)فتمخضت خيوط وطنية عسجدية جسّدت ملاحم الولاء و حب العطاء و العزم على البناء، إنهم الأبناء الكرام البررة الأوفياء لأمهم عُمان، بينما اختفى عن المشهد مهطعي الرؤوس من أمثال راميش و كومار و ساريش و سينار الذين جئنا بهم على رأس إدارة اقتصادنا، فها هم لا يرتد لهم طرف وأفئدتهم لا تعدو كونها هواء، بل وبعضهم قد يكون عبئا على الوطن و المواطن في مثل هذه الظروف الصحية الحساسة، و هم الذين حمتهم بعض الشخصيات العمانية التي قبلت على ذاتها بأن تقتات السحت من وراء بقائهم على عروشهم هذه، و ذلك على حساب مصلحة المعمر و الباني و المطوّر ابن البلد الذين أرادوا له بأن يكون في الصفوف الخلفية، موكلين إليه مهام أشبه بغيثٍ نباته مصفرا أقرب إلى الهشيم المحطم الذي تذروه الرياح، مهامٌ لا تغني و لا تسمن من جوع، و ذلك باستثناء العمالة الكادحة في المهن الدنيا التي ندين لها بالفضل في المساهمة في إعمار البلد مقابل ذلك الأجر الزهيد بنهاية كل شهر، بل وما تسعد به النفس العمانية اليوم هو ما ألمح إليه بعض المسؤولين في الدولة إلى دعوة الشباب العماني لتقديم مقترحاتهم و اختراعاتهم وابتكاراتهم البحثية و العلمية، التي من شأنها أن تفيد في العلاجات الطبية والخدمات الصحية والمجالات الأخرى في السلطنة، هذا إلى جانب ما يقوم به المواطن من خدمات جليلة في مختلف مواقع العمل لا سيما القطاع الخاص و التي تنصب في مصلحة الوطن وخدمة مواطنيه، أما في الخارج فثمة كوكبة من الأطباء المتدربين في إحدى الدول الغربية تم تناقل أنباء عنهم بكل فخر و اعتزاز بأنهم ورغم ما بهم من الخصاصة إلى المغادرة، إلا أنهم قد آثروا أنفسهم على البقاء في تلك الدولة مساندين بإرادة محضة منهم، في تطبيب من هو بحاجة إلى ذلك خلال هذه الجائحة التي تفوق بأضعاف ما بدول المجلس الست من إصابات ووفيات بذلك القطر، مضحين بذلك بسلامتهم وصحتهم في سبيل رفع قدر و مكانة بلدهم سلطنة عمان و تمثيلها في المحافل الدولية خير تمثيل، إذًا هو العماني الحق، و ليس كومار و من والاه من أبناء جلدتي و وطني.
و اليوم و بسبب كورونا فقد بدأت العقول تعمل بشكل صحيح نوعا ما، مع الأخذ في الاعتبار النظر إلى من أمر ووجه و تابع ذلك، فقد أُجيز تسيير رحلات بحرية و جوية مباشرة إلى ومن بلدان شتى لاستيراد البضائع المختلفة التي تحتاجها السوق المحلية، فهل كنا ممنوعين قبلًا عن ذلك أو هو عقم العقول و سباتها، أم هو تغليب المصلحة الخاصة على العامة إرضاءً للبعض ممن في أنفسهم دناءة يتبرأ منها تراب الوطن قبل أبنائه، فشكرًا للقيادة السامية الحكيمة للأوامر و التوجيه و المتابعة.
إننا و نحن نرى هذه التحركات الإيجابية المبشرة بخير الأمل و العمل لهذا الوطن الغالي، و مع دوام اللحمة العمانية التي تزيدها الأزمات صلابة و تماسكًا مشكّلةً مزيجًا من خليطٍ متجانس هو من صناعة السلف العماني القح، لا تهزه نائحة هنا أو نباح هناك، لنأمل أن تسخّر كافة الجهود أمام الطاقات و الكفاءات العمانية، و فتح المجال لهذه القدرات المتقدة بهمة و عزيمة الشباب المتسلحين بمختلف المهارات الفنية والمعرفة العلمية و الخبرات العملية، وذلك للبدء في تولي دفة قيادة مختلف قطاعات الأعمال التجارية و الاقتصادية في السلطنة، و أن نضع نصب أعيننا عبارة أن (الأوطان لا تُبنى و لا تعمّر إلا بسواعد أبنائها)، و في الوقت عينه نتطلع إلى التوجه نحو القطاع الزراعي الذي نتوقعه أن يكون خطوة في المسار الصحيح عند التوجه إليه، لما يمتلكه العماني من الحنكة و الخبرة في هذا المجال المتوارث منذ الأزل، و لما تتميّز به السلطنة من المقوّمات المشجعة لذلك والتي منها الأراضي الخصبة في غالب المحافظات، فقط نحن بحاجة لبعض التسهيلات و الميزات التي قد تكون كفيلة للمضي قدمًا في هذا المنحى، إضافةً إلى دعم قطاع الثروتين السمكية و الحيوانية، و ذلك تحقيقًا لدعم الأمن الغذائي سعيًا للاكتفاء الذاتي.