الخميس: 31 أكتوبر 2024م - العدد رقم 2308
Adsense
قصص وروايات

الحب في زمن الكورونا

منال السيد

عزيزي الذي يعرف نفسه

تحية وحيدة وبعد،

في هذه اللحظة التي قررت فيها الكتابة إليك رغم أنني أدرك بكل حواسي أنك لست هنا و لا تقرأ؛ أردت أن تشاركني وحدتي التي اعتدت عليها طويلا و كلما أرادت أن تهزمني كنت أهب واقفةً بكل قواي لأثبت لها و لنفسي أن لا شيء يهزمني حتى هي.

و رغم أنني في كل مرة أقول أنها أكثر مرة أشعر فيها بالوحدة .. أجد نفسي في مرة جديدة مصابة بنفس متلازمة الشعور.
و لكن هذه المرة .. -هذه المرة- أكتب إليك أنت ولست أنا كما أفعل دوما حين يجول بخاطري شيءٌ لا أقدر على قوله أمام أحد أو لأحد .. لأجدني أراك في هذا الوقت مرآتي و حدسي و بصيرتي.

تخفق بداخلي ذكريات لا حصر لها .. تنهش في داخلي و تنخر في ذاتي .. تلعب بأصابعها الحمقاء في روحي و تشخبط أحيانا على موضع الفرح لتحدد بكل قوة مواضع الجُرح.

غريق في دواخلي و نيراني لا تنطفئ .. وحمم البركان في صدري لا تنام.

كل الليالي التي قضيناها معا -بأسرها- محفورة في مخيلتي .. ذكرياتٌ تفاصيلها -تفاصيل العشق بها- حياة بأكملها .. و كأنها جنة الخلد و جهنمه و قيامته .. و أنا على صراط حبك أستغيث.

الناس نيام و أنت .. ووحدها روحي تشذ عن العالمين .. أصابني الجيل السابع من -كورونا- حينما شذَّ عن قاعدة الفايروس المعروف .. إنها كورونا حبك ..حبك الذي أصابني في مقتل .. و لست أتماثل للشفاء .. و لكني بت أخاف الموت قبل أن أراك.

سيدي أقسم أن دواخلي تعذبني .. يصعب البوح أحيانا بقدر عدمه.

أنا أتساءل الآن بماذا يُقاس الحب؟!! أقصد كيف تحسب مقياس حب أحدهم لك؟!!
هل يقاس بالحنين أم بالألم؟ بالشوق أم بالفقد؟؟ بحرقة الغياب أم ببهجة اللقاء؟؟ بالخوف من خسارة من يحب “لك” أم باعتقاده بالبقاء؟؟

هل تداركت يوما قيمة من يحبك بشكل صادق؟!

وحده القلق في غيابك كان إجابة لتلك الأسئلة .. أنا مريضة بالقلق -يتعبني قلقي حيث يكون قلبي- الوقت باهتُ الألوانِ ..ضيقُ الأفقِ .. أشبهُ بليلٍ طويلٍ كثيفَ الضباب .. أكثر ما يؤلمني في الغياب ملحُ البكاء..

كأن خطى الأمان تشردت .. كأن بهجة شفاهي شحبت .. أكثر ما يؤلمني أنني لا أستطيع البوح .. أحاول أن أعيش في سلام روحي مع نفسي و لكني لا أستطيع دون وجودك.

و كأنني أعيش على كوكب خاص بي و مجرتي لا تسع سواي .. و كل الكواكب تشاهدني بعين مغرورقة بالدمع .. و لا أحد .. لا أحد يستطيع أن يمد يده إلي ليساعدني .. كأنني المرض و الجميع يخشون انتقاله.

أنا هنا أواجه مصيري المحتوم كل ليلة .. بقعة الضوء الخارجية ما زالت تضايقني و أقوم لأطفئها .. -تكفي النيران التي بداخلي لتضيء عتمتي-.

سيدي؛ أطفأت إنارة غرفتي و وقفت أمام نافذتي أناجي هل من سبيل للقاء .. أنظر صوبكم علَّ القمر -الذي كان شاهدا علينا في أول لقاء جمعنا- يتبين لي فأراك -معجزة الحنين- علَّ نجمة عينيك تضيء بفجر الأمنيات.
أهاتف السماء كأنك ملؤها وأبقى مشدوهةً لها في تعجب لا ينام. صهوةُ العشقِ الجارف لا لجامَ لها و وحدك الفارس الذي يبقى مغوارها. تعدو بروحي في مجرة الحنين إليك وتقلب القلب كيف تشاء.

أشهد السماء أن نبضاً يسري و لا يروم النومَ دون احتضانك و لو حلما. أشهد السماء أن رعشةً تلف مسامات جلدي وأنا -أتخيلك- في نافذتي تنظر لي نظرة لا تحيد. أشهد السماء أن روحك ترفرف حول جسدي وتنبت ياسمينا بروحي و تسمو بعقلي نحوك و لا تبالي بشيء عداك. أشهد السماء أنك باقٍ في و كل لحظة عشناها لا زالت تهدهد فيَّا كل اللحظات التي لم نعشها بعد. و أشهدك أن هذا الليل ليس كمثله في ليالي الغياب السابقة.

كلُ ليلٍ دونك أنت هو عتمةٌ تزيد عتمتي. أشهدك ذاك الشعور الذي يسري في و لا أدري تفسيرا له ولكني أدركه. أشهدك على دقات النبض في أناملي و أنا أحاول أن أستجمع حروفي لأكون جملة مفيدة تبثك حنيني. أشهدك أنك هناك ولكنك هنا. أشهدك أن كل مكان جلست به هنا أجالسه لأستريح و أشهدك نبضي الواقف على حدود لقاءك.

“ستدرك أنه ليس كلاما فقط .. لو ترى كم تصبب العرق كثيرا و أنا أكتب .. و قلبي .. قلبي لا زال يخفق بشدة .. و لا أدري هل صوابا ما فعلت أم لا!!

و لكني لست نادمةً أبدا على قوله.

لو تتذكر، ذاك الوقت الذي أمضيناه معا .. وقتها كل ارتباك العالم تولد داخلي .. كنت أهرب منك لأجدني داخلك .. كنت أتشبث أكثر و رأسي على موضع قلبك.
كنت أحدثه و أنظر إليك .. ثم أحدثه مرة ثانية في حوار لا يعلمه إلا كلانا .. ناشدته أشياءً كُثر.
أدركت حينها حقيقة أني تورطت بك و انتهى الأمر.

هذه -الإنسانة الحساسة- كيف كانت ستتعرى عن إحساسها لولاك أنت؟!!

ثمة أشخاص لهم القدرة على خروج الجمال إلى النور.
و أنت الجمال الذي يعكسه نور وجودك معي في كل لحظة أمر أنا بها لأعيش الوقت فيك و بك.
لا أريد للأوقات الجميلة أن تمر.
أريدها هكذا .. هكذا مثلك .. استثنائيا في جمالك الذي لا تستطيع إظهاره و لكني أراه.
أرى كلك .. حتى عيوبك .. و لكنك تخلق منها نبلا يحولها بشكل استثنائي لجمال يراني و أراه”.

سيدي إنها فوضى الشعور .. و فوضاي لا تروم إلاك.

مخلصتك

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights