تقليم أظافر .. لا أكثر
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
تقليم أظافر .. لا أكثر
نحرص جميعنا على تقليم أظافرنا بصورة دورية، ونمارس هذا الفعل المزعج أحيانا بملء إرادتنا، وخاصة نحن الكبار، أما الأطفال فإن هذا الفعل يفرض عليهم فرضا، أردوا ذلك؛ أم لم يريدوا، حرصا على نظافتهم، وعلى جماليات منظرهم، لأن الأظافر الطويلة مقززة المنظر، ومنفردة القربى، خاصة مع الذين تجمعك بهم وجبة غذاء جماعية يتناول فيها الغذاء بصورة مباشرة بلا وسائل، كالمعالق مثلا؛ وإن كانت هذه الصورة أصبحت اليوم مألوفة إلى حد كبير عند فئة المراهقين والمراهقات؛ الذين يستحسنون تطويل أظافرهم، ظنا منهم أن في ذلك إضافة لمسة جمالية، هي مستحسنة في أعمارهم وعصرهم، والناس عموما “فيما يعشقون مذاهب”.
تأتي المقاربة هنا، ولا أسميه إسقاطا، لكثير من أفعالنا كبشر، محكومون بعواطف، وبنزوات، وبمشاعر، وبتقلبات، وبتجاذبات كثيرة في حياتنا اليومية، حيث من النادر أن نثبت على نسق معين من السلوك، فننجر سريعا نحو سلوك مغاير نرى فيه تحقيقا لذواتنا الضعيفة، ونرى فيه مسايرة لعصرنا، هروبا من ألسنة الآخرين التي لا ترحم (فهذا متخلف، وهذا رجعي، وهذا من الشياب، وهذا لا يزال على العصر القديم، وهذا … وهذا …) وقس على ذلك أمثلة كثيرة، وكل هذا؛ سواء الجديد، أو القديم، سواء المتطور أو المتخلف، سواء المنتمي لعصر الحداثة أو المنتمي لعصر الرجعية، كلها تذهب وتعود، تستعر نيران غيرتها في لحظة، ثم لا تلبث عن تخفت، يتلألأ نور احتفاليتها فيضيء الكون، ثم لا يلبث عن يتوارى خلف الظاهر الجديد، حيث يعاود السلوك نفسه مرات ومرات، كما هو الحال عندما نعود بعد أسبوعين على الأكثر لنقلم أظافرنا من جديد؛ بعد أن بدأ يقلقنا تطاولها؛ وأصبحت مؤذية بصورة غير مباشرة.
تكمن الخطورة هنا أيضا؛ في عدم الثبات، وهذا إشكالية سلوكية غير محببة، وهي ممارسة تعيش مأزق التناقض: مرة سواد قاتم، ومرة بياض ناصع، ومرة خليط بين أبيض وأسود، هي في حد ذاتها تقترب من مفهوم الـ “مكابدة” التي يعيشها الإنسان في حياته، مصداقا لقول الله عز وجل: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، وإن كانت السلوكيات – كثيرا منها – تخرج عن المفهوم المباشر للمكابدة، وإنما هي من فعل الإنسان المخير فيه، وليس المسير، ولكنها في الحالتين تذهب وتعود، ويجد الإنسان منا، في رحلة الذهاب والعودة، نوعا من السلوان أحيانا، ومن التسلية أحيانا أخرى، وتمر رحلة الحياة بين سلوك خير منجز، وآخر سلوك شر منجز، وبين ثالث ينتظر دوره في قائمتنا اليومية لنتعامل معه سلبا وإيجابا في مثل كل مرة.
في لحظة تقليم أظفارنا، نسهو قليلا، فيأتي المقص على جزء من لحم الأصابع فيحدث فيه “قضمه”، بلا قصد طبعا، فيؤلمنا ذلك، ونظل ساعات كثيرة نتحسس الألم، وإن كان البعض يقضم أظافره طوال النهار بأسنانه، كلما أتيحت له الفرصة لذلك، وخاصة في حالات التوتر عند البعض، والفرض هنا؛ انشغال الأعين عنه، لأن قضم الأظافر أيضا سلوك يكرهه كل الناس، إلا الذين يزاولونه، ونفس المقاربة تكون عندما نعفي أنفسنا عن الاستمرار في ممارسة سلوك شائن، فإنه يحدث هذا الإعفاء قرصة لضمائرنا، لأن الأنفس تستعذب الفعل الشائن في الخفاء خاصة “فطرة” ولكن الفرق يكمن بين الفعلين: أن الأول يحدث عن غفلة لقناعتنا بأنه مؤذي للجسد، ويحدث جرحا، أما الأفعال التي نمارسها ضد الآخر، وإن كانت مؤذية، فإننا نستعذبها في لحظة الممارسة، لأنها في تقديرنا تحقق لنا شيئا من سمو الذات، وهذه مصيبة المصائب، والمتحرر منها كمن ولدته أمه؛ نقيا، صفيا، سليما، معافى من كل شائبة، فهنيئا للذين يحافظون على تقليم أظافرهم، فلا تؤذي قريبهم والبعيد.