كورونا وتزكية النفس
إلهام عوض عبدالله الشهراني
إن الله خلق الإنسان لعبادته كما قال سبحانه في كتابه العزيز: “وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”، والعبادة تشمل كل مايقوم به الفرد المسلم من سائر الأعمال الصالحة والعبادات والتعاملات النافعة، فالكلمة الطيبة حسنة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وجعل الشكر والثناء له سبحانه عباده، فكل ما حول الإنسان من نعم تستحق شكر الله عليها، فالنبات للطعام والزينة وتنقية الجو من ثاني أكسيد الكربون، والحيوانات لأكل لحومها وركوبها، والجبال للتمتع بمنظرها الخلاب، وتثبيت الأرض فله الحمد والشكر.
كذلك من رحمة الله أنه ينذر عباده ويبتليهم بالخوف والجزع، ويترك لهم فرصة للتفكير، و يفتح لهم بابا للعودة قبل سكرات الموت.
فالبلاء يقع على المؤمن الصابر المحتسب فينال به الأجر، ويحصل به على تكفير ذنوبه مع التوبة، وأما البلاء على العصاة من كافرين أو منافقين فهو عذاب.
ويظهر البلاء العالمي المتفشي في هذه الأيام (كورونا) كإنذار إلهي، وحكمة ربانية لتعود النفوس إلى خالقها بقلب سليم وتندم عما فعلت وتلتمس العفو والرحمة من الله.
وسوف نتطرق لصفة ذميمة ومحرمة شرعا وصاحبها من الأخسرين أعمالا في الدنيا والآخرة، وللأسف فالبعض يجيد القيام بعمل ذميم، يحسن معه تفصيل ثوب الإفتراء والأذى باللسان، ويذم أخيه المسلم فيصبح وكأنه “شيطان بثوب بشر”.
ومن جهة أخرى يحاول رمي سهام الشر بجميع الاتجاهات فيسيء إليه، ويلوث سمعته، ويرسم صورة سيئة عنه في أنظار الآخرين، وقد ذم القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: “ويل لكل همزة لمزة هماز مشاء بنميم”، في ذلك قال ابن الجوزي: (هم المشاءون بالنميمة الهمزة الطعن الذي يطعن أخيه المسلم واللمزة الذي بمثابة يأكل لحوم الناس، والمفرفون بين العباد).
وفي السياق ذاته :
من يتصف بهذه الصفة يحاولون يجمعون المحيطين حولهم “فالعقرب تحب إفراغ السموم”، ويجدون غايتهم عند فقراء الأخلاق لكي يتسولون منهم “الغيبة والنميمة”، فينطبق عليهم قوله عليه الصلاة والسلام: “لايدخل الجنة نمام “.
وعواقب هذه الفعل ينتشر بين النفوس البغضاء والشحناء وتقطع أواصر العلاقات الاجتماعية في محيط العائلة، والمجتمع الوظيفي على قدم وساق فيظهر مثل فقاعات ملوثة تلوث الأجواء وتزكم الأنوف.
وعند التمعن في نفوس هؤلاء تجد قلوبهم ضعيفة الإيمان، ولا يتصفون بصفاته العظيمة
“صدق الحديث والأمانة
بل يتصفون بصفات الشيطان
” الحقد والحسد”.
والدوافع والأسباب :
الحكم على الآخرين عندما يسمعون بضع كلمات من كاذب مفتري حكموا غيابيا، ونفذوا الحكم بما تهوى أنفسهم البعيدة عن البصيرة، أو قدمت إليهم نصيحة ” أمر بالمعروف ونهي عن المنكر” فاغلقوا أذانهم، أو غيرة قطعت فؤادهم العليل، أو أطماع ومنافع دنيوية نتيجة الإفلاس في التربية والدين والأخلاق.
والجدير بالذكر :
أهل الصفات تلك يتبرأ منهم يوم القيامة الشيطان الذين عصو الله ورسوله وعملو بما يرضيه، كما قال تعالى :
(وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) أي القرين، وقوله تعالى:
(قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد)، قال: (لاتختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد، مايبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد، يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد) سورة ق.
هؤلاء يتملكهم الشيطان ويقيدهم بحبال مكايده فيرمي في قلوبهم الخوف من تفشي أمرهم بين الناس وتكشف نواياهم فيقعون بمعصية آخرى يخشون الناس ولايخشون الخالق.
كما يظهر عليهم الغضب واحمرار الوجنتين عندما ترد إليهم بضاعتهم بشيء يسير مما فعلت أيديهم، وكأنه يوجب على الناس أن يتحملون مهاتراتهم وقبح أفعالهم.
أمثال هؤلاء يعيشون في قلق نفسي نظير بعدهم عن الله والطريق المستقيم، يتصورون البعض يكرههم فيزيدون طغيان ويتحملون ذنوبهم و ذنوب من تعاون معهم، أمثال هؤلاء لهم عقاب رباني في الدنيا والآخرة ، حيث يشربون من نفس الكأس حتى تتجرع أنفسهم سموم أفعالهم، ويستجاب دعوة المظلوم وتنزل عليهم في أغلى ما يحبون.
وفي الآخرة:
أي سماء تضلهم وأي أرض تبلعهم، والشهود عليهم الملائكة، والدليل في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، والقاضي أحكم الحاكمين.
البعض يرتكب المعاصي، ويظن نفسه أنه مسلم على هدى نبي الأمة عليه الصلاة والسلام، وهو مخالف سنته ويقع في معصية الله ورسوله ويعمل بطاعة الشيطان فيخرج من الملة.
كلمة أخيرة :
قال عليه الصلاة والسلام: ( من حمى مؤمنا من منافق يعيبه بعث الله تبارك وتعالى ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مؤمنا يريد به شينة حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال.) أي يثبت ماقاله
على المسلم ان يتجنب هذه الصفة الذميمة المحرمة شرعا وعرفا النفاق الأخلاقي والديني
يأكل الحسنات كما يأكل الحطب النار.
فعليك الحرص وتجنبهم ابتغاء مرصاة الله الحياة أيام معدودات وكل نفس حتماً ذائقة الموت.
بقيت كلمة :
اعلم أيها المسلم لابد من بلاء هذه وعد الله لعباده، احتسب أجرك عند الله لتكسب حسنات لم تعمل بها، وعزز نفسك بقراءة قصص الأنبياء وقصة أمنا عائشة رضي الله عنها كيف قذفت في عرضها من المنافقين، وهي من أطهر نساء الأرض وكيف ساق الله إليها النصر وآهلكهم، وجعل كل مسلم منافق في الدرك الأسفل في نار جهنم مع هامان وفرعون لما هذه الخصلة من سمات حقيرة.