قابوس…
صبرية الرحبي
قابوس
أحقاً رحلت أم إني لا زلت عالقةً في كابوسي القاتم…
استرجع ذكريات ذلك اليوم الصعيب…
حفظته بكل حذافيره …
بكل ثانية كانت تنغرس في صدري وخزات مؤلمة …
تراكم كل شيء على قلبي المرهق…
عبئ أنهك كاهلي…
قراءة البيان مئات المرات…
ولكني كنت كمن يغرق في بئر عميق…
يريد الخروج حتى يرتشف رشفةً واحدة من الهواء الطلق…
في كل مرةً أقرأ انغمس أكثر…
كنت بداخلي أكرر لعلها إشاعة…
أو إنها من خطط الذباب الإلكتروني …
ولكن..؟
عندما أنظر إلى وجوه من حولي كانت وجوههم شاحبه…
دموعهم تنجرف بشدة…
ملامحهم يكسوها الحزن…
اسمع نبضات قلوبهم المضطربه…
لاشيء يوحي لي بإن ما سمعته إشاعة..
أمسكت جبيني بألم أستطرد الصداع الذي اعتراني…
إنني في وضع لا يحتمل الصدمات أبداً…
كنت استرق النظرات بين فترةٌ وأخرى لعل ملامحهم تبدلت ..
ولكني أجدها أسوىء عما سبق…
تنهدت بصمت وصعدت إلى غرفتي بأقدام متثاقلة..
اغلقت التلفزيون، اغلقت هاتفي..
اريد العزلة..
اريد البكاء ..
اريد أن اصدق الخبر مثلهم..
لم استطع التعبير عما بداخلي..
اردت الكتابة حتى أعبر عما أنا عليه..
ولكن حتى قلمي كان في حداد..
رميت بكل شيء من حولي…
اريد أن اخرج شيء بداخلي يعذبني ..
يقتلني..
يدمي قلبي…
لا فائدة..
حقاً لا زلت غارقةً في كابوسي…
خرجت اتجول خارج البيت لعل هناك شيء يوضح لي عكس ما بالمنزل …
كل شيء خاوي..
الازقة.. المنازل.. النواحي..
إلى ذلك الحين لم أعي الحقيقة المرة..
أو إني في حقيقة الأمر لم أكن اريد أن أتذوق طعم فقد الأب…
كنت مهوسةً به…
أحب أن أسمع خطاباته ..
أحب أن اتعلم من حكمته ..
أسلوب تعامله مع الأخرين..
طريقته في حل الأزمات…
كنت اتتبع أدق اخباره…
تناسيت ما عشته سابقاً..
تعلمت منه كيف أتحدى الصعاب ..
عندما كان يخاطب أبناء شعبه كنت أشعر به كأبي يوجه لي رسالة..
يخاطبني بحنان حتى أقتنع بما يقول..
كان أباً حنوناً لكل ابناء عمان…
ولأول مرة أطلقت آهً متوجع منذُ سماعي الخبر…
ولكني لازلت في صدمتي …
منذُ ذلك اليوم وأنا في عزلة ولم أذرف دمعةً واحدة…
مضت فترة العزاء وانقضت..
عاد كل شيء إلى حاله الطبيعي..
إلا شيء واحد رأيته وأدركت حقاً إن قابوسنا قد رحل…
علمُ بلادي…
ما بال علم بلادي حزين..
لما هو مركسُ هكذا..
إنه الحداد…
أربعون يوماً وهو هكذا وها هي الأربعين أوشكت أن تنقضي وأنا اليوم أستوعبت الحقيقة المره..
اليوم أستطعت أن أعبر عما بداخلي..
اقسم إنني ذهبات مرات عديدة ولم أنظر إلى العلم خشية ان أستفيق من كابوسي..
اليوم تجلدت بكل ما اوتيت من قوة …
نظرت إليه بعزم وإصرار…
وضعت يدي نحو صدري أمنع ذلك الألم من التزايد…
أغمضت عيني بألم إلا علمُ بلادي…
لا يركس إلماً لو لم يكن المصاب جلل…
استفقت من كابوسي القاتم…
قابوسنا مات…
رباااااه…
أرقٌ.. ألم.. سرى بسائر جسدي في تلك اللحظات…
الرحيل مؤلم والفقد أشد ألما…
إلى ما ننظر !! إلى المساجد..؟؟؟
أم إلى صروح العلم؟؟
أم الطرقات…؟
أم المؤسسات والدوائر الحكومية…؟
إلى ما كانت عليه عُمان سابقاً أم إلى ما هي عليه الآن..؟؟؟
كل شيء من حولنا نرى فيه قابوس…
أركست رأسي بألم …
إلهي جئتك أشتكيك ألماً…
أنا يالله من همي تعبتُ..
إلهي لا اشتكيك ظلماً…
أنت الذي من فيض رزقك يظهر النبت..
من لي إلهي قد يعلم ما بي
وإني اخفي في قلبي إلماً..
يعتري قلباً حزننا..
ويرهق جسدي..
ويغتصب دموع عيني..
وإن جئت اشتكي به لأحدٍ..
لا أستطيع البوح به…
فكن لي يالله دائماً وأبدا…
فأنا يالله ليس لي بعدك أحدٌ..
اللهم لا نبكيه إعتراض على قضاؤك ولا لحكمتك…
نبكيه فقداً… نبكيه أباً.. نبكيه وطن… نبكيه أمان… ..
إلهي ألطف به فأنت ارحم به منا…
اجعل القبر الذي توسد جسده روح وريحان وجنة نعيم…
قابوسنا…
طبت حياً وطبت ميتاً وطاب مرقدك..
لن ننساك ما دامت الأرواح في الأجساد…
سنخبر أبناؤنا والأجيال القادمة عنك…
نعاهدك ان نمضي على النهج الذي كنت عليه..
وأن نمضي نحو سير السلطان هيثم
على السمع والطاعه بإذن الله…
وأنا نقوم على رقي بعماننا على النحو الذي طمحت له..
فعمان لن تقوم إلا بسواعد ابناؤها..
نم بسلام فقيدي …
نسأل الله ان نلتقي بك في جنان الخلد…