مرض النفاق الأخلاقي
إلهام عوض عبدالله الشهراني
قيل: للحسن البصري إن قوما يجالسوك ليجدوا إلى الوقيعة فيك سبيلا – أي يتصيدون عليك أخطاء- فقال: هون عليك إني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت وأطمعتها في النجاة من النار فطمعت وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلا، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم، فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم.
وفي العصر الراهن، ومع طغيان الحضارة المادية، وثورة العلم والمعرفة وتنوع الثقافات يقابل كل ذلك ضعف في الوازع الديني وسفوط أخلاقي ووقوع البعض في فتنة رفع الأمانة من القلوب.
وأمانة القلب عند الفرد المسلم، تتجسد في خشية الله بالعمل والقول، وفي اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وفي تجنب الشبهات وسلامته من النفاق.
والقلب الذي ينحني باتجاه المصالح والمنافع الدنيوية، والبعد عن عمل الطاعات يتربع فيه الشيطان، ويستعمله فيصبح من أعوانه، والنتيجة ارتكاب ما يخالف تعاليم الإسلام
الناهية عن الضغائن، وعن البهتان بنشر الأكاذيب والوشايات، والهمز واللمز حتى يشاع البغضاء والشحناء، ويضع المبررات الواهية بزمن فتنة التفرقة بين المسلمين المترتب عليها فتن عديدة.
وتنتشر هذه الجرثومة في أوساط المجتمع الذي ثقافته النفاق الأخلاقي ظاهر الفرد
يختلف عن باطنه، فتغزو هذه الجرثومة العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية والصلة بين الأقارب، وتشمل المجتمع الوظيفي ، فهي نظير للغيرة الممتزج بمرض القلب الذي أصابه الحقد والحسد فيزيده الله مرضا على مرضه، لقوله تعالى: ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون).
وفي نفس السياق :
نسرد قصة واقعية للعبرة، وقعت لفتاة كانت تحقد على زوجة أخ زوجها باطنها يختلف عن ظاهرها، وفيها غيرة جنونية من جمالها ومكانتها ومحبتها عند أهل زوجها، عملت بخبث الشيطان، ولبست ثوب الناصح الأمين المتصيد للأخطاء بين الأطراف.
كما قال الشاعر :
يعطيك من طرف اللسان حلاوة… ويروغ منك كما يروغ الثعلب.
جعلت شعارها الغيبة والنميمة حتى تفككت أواصر أسرة، وحصل إنفصال أسري لزوجة الأخ، وشعرت بغرور الشيطان في ذاتها المريضة، وبعد عامين جاء العقاب الرباني بشيء لم يخطر في ذهنها، فصديقتها غدرت بها، وتزوجت زوجها بعد أن تملكت قلبه، ولعبت نفس الدور فشربت من الكأس ذاته -سم قاتل ببطء-.
أصيبت بجلطة وأصبحت عاجزة جسديا شعرت بيقضة الضمير، فاعترفت وندمت في الوقت الضائع، وكأن الواقع يخاطبها: رفعت الأقلام وجفت الصحف، وعند الله تجتمع الخصوم.
ومن زاوية أخرى :
لقد ابتلي نبي الأمة وسيد الخلق عليه الصلاة والسلام بالمنافقين الذين يبطنون الكفر والكراهية ويتظاهرون بمحبته والولاء إليه، حتى نزلت فيهم سورة المنافقون والتوبة، ويستطيع القارئ التلاوة والتفسير لمعرفة مصير وخاتمة من تلوث قلبه بالنفاق.
بقيت كلمة :
النفاق كلمة قبيحة، واستبدلت في زماننا بكلمات ومعاني أخرى مثل، مجاملة أو ذكاء عاطفي والحقيقة هي أغلفة جميلة للنفاق لتستتر عورته، فتجد أصحابه أبتساماتهم من الشق للشق مصطنعة، وحديثهم مزيف كعملة مزيفة عند الشراء لا قيمة فيها .
يجهلون نعمة ” القلوب شواهد”
وفي الختام :
على المسلم أن يتجنب سوء الظن ويرجع إلى الله، ليقف على أرض صلبة في أمره حتى لا يختلط الحق بالباطل، وعليه بالصلاة والتضرع إلى الله المطلع على السرائر الذي لايخفى عليه مثقال ذرة في السموات والأرض، وصفاء النيات وطهارة القلب هي طريق العزة والنصر.
فما على المسلم بعد ما يكشف الله أمرهم إلا قطف ثمرة البلاء بالشكر والثناء على منزلة أهل البلاء، وحصد حسنات لم يعمل بها ثم يرفع القضية للسماء ليحكم الله بين عباده إن الله سميع بصير.
وعلى المسلم الفطن التصرف بحكمة وعقلانية، هم أيضا وقعوا في بلاء عظيم مرض النفاق مكايد الشيطان ليؤدي بهم نحو طريق الإفلاس في الدنيا والآخرة..
نسأل الله أن يجنبنا من النفاق ومن شر المنافقين العلي القدير.