سعيد بن سيف الحبسي
كاتب وإعلامي عماني
إن النظر إلى المنصب الإداري وفق المفهوم الضيق لدى بعض المسئولين هــو ” كرسي السُلطة ” ، وأمر إداري لمسئول اتجاه موظفيه يتطلب منهم قول ” سمعاً وطاعة ” ، وبمعنى آخر هو ” السُلطة المُطلَقة ” لمسئول ما إذا ما كان في حيز تلك الإدارة ، فهذا الفهم البسيط لا ينم إلا عن عدم إدراك بماهية المنصب ولا الثقافة التي ينبغي أن يتحلى بها صاحب ذلك المنصب أو مع من يتعامل معهم من الموظفين أو المراجعين أو أفراد المجتمع الذي يعيش فيه بينهم ، إن هذا الفهم يُرسخ لدى صاحب ذلك المنصب مفهوم ” الديكتاتورية ” والتي تُعّد شكلاً من أشكال السلطة المطلقة ، بحيث تنحصر السلطة لدى شخص واحد فقط ، فهو من يرى نفسه بأنه الوحيد الذي له الحق في أن يُملي على الآخرين آرائه دون حوار أو نقاش ، ويفرض وجهات نظره وميوله عليهم دون تشاور معهم ، ويأمرهم دون أن يوجههم أو يستمع إليهم ، مع عدم قدرته لتقبل مبادراتهم ومقترحاتهم .
إن هذا الأسلوب في التعامل الإداري أوجد في كثير من المؤسسات بيئة عمل غير صحية على كافة الأصعدة ، سواء أكانت على مستوى التعامل الشخصي أو في الأداء المهني للوظيفة ، فرغم أن بعضاً ممن يتولون تلك المناصب الإدارية لهم خبرة إدارية واسعة وغنية بالتجارب العملية على المستويين الشخصي والمؤسسي ، إلا أننا نجد أن تلك النظرة السلطوية طاغية في كثير من الأحيان على بعض هؤلاء في التعامل مع غيرهم ، فهم قد يعتبرون ذلك المنصب محلاً للتفاخر والتقدير لذاتهم وأنه بمثابة ” تشريف ” وليس ” تكليف ” ، والذي يستوجب عليهم أداء أمانته اتجاهه ومهامه الوظيفية بكل إخلاص وتفانٍ من أجل إنجازه بصورة متقنة ومُيّسرة .
إن من أبرز صفات الإداري الناجح الابتعاد عن تلك الصفات التي قد تشوب عمله الإداري بشوائب قد تُعكِرُ بيئة العمل ، فالابتعاد عن التكبر وعدم النظر بدونية للآخرين ممن يتعامل معهم يجعله في قمة إنسانيته قبل مهنيته ، فالإنسانية أصل الصفاء ومنبع العطاء ، وفي المقابل فإن على الإداري الناجح أن يعي جيداً بأن المرونة في التعامل مع من يُشرفُ عليهم هو أمر من البديهيات ومن المُسلّماتِ بها ، وذلك باتباع أسلوب متزن في التعامل مع كافة الظروف التي قد تطرأ على من يعملون معه ، بحيث لا بد له من مراعاة مشاعر الآخرين وأن يغرس في نفوسهم الطمأنينة والشعور بالأمن والأمان في بيئة العمل ، وأن لا يكون انفعالياً في التعامل معهم ، وأن يسامح المخطئ على خطئه إن لم يكن خطئاً شنيعاً أو جسيماً ، وأن يعمل على تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف بلا ضر ولا ضرار ولا تحيز ولا ميول شخصي ، كما أن على الإداري الناجح أن ينظر لمسؤوليته الإدارية بنظرة الموجِهِ وليس الآمر ، والمُحفِز وليس المُحبِط ، وأن يكون هو القدوة الحسنة في التعامل الشخصي مع الآخرين وفي الالتزام بضوابط العمل من حيث الحضور مبكراً للعمل وفي إنجاز العمل وتبسيط الإجراءات ، وعليه كذلك أن يُشعِر من وقعت مسؤوليته عليهم بأنهم ليسوا عُمالاً معه وإنما هم شركاء في العمل ، يتبادلون الآراء والمقترحات التي من شأنها تنمية وتطوير العمل التي تنصب لخدمة المؤسسة التي يعملون بها وللمجتمع الذين يقدمون الخدمات لأفراده ، أضف إلى ذلك الكثير من الصفات التي يستوجب على الإداري الناجح أن يعي أهميتها لنجاح مسيرته في منصبه الإداري المتعلقة بتطوير الأداء الوظيفي له ولموظفيه وفي توزيع المهام الوظيفية بينهم كفريق عمل واحد يُكمل بعضهم البعض ويشدُ من أزرهم ويكون عوناً لهم ، ويغرس في نفوسهم صفات الصبر والتعاون والتكافل والتكاتف والتفاؤل من أجل تحقيق أهداف المؤسسة المرسومة لها ، وأن لا يجعل بينه وبين الموظفين حواجز مادية ومعنوية ، وأن يُنمي لديهم حب المبادرة والعمل ضمن الفريق الواحد ، كما أن على الإداري الناجح أن يبتعد عن ” ثقافة الأبواب المغلقة ” في استقبال زائريه من الموظفين أو المراجعين وذلك بهدف انتفاء مسببات أهل الفتنة والشقاق والنفاق في المؤسسة ولجم أفواههم الناطقة بالفتنة والتفرقة وقول القيل والقال ، وكذلك عليه تجنب ” ثقافة الهواتف ” المغرضة المنفرة والمفرقة بين أفراد منظومة العمل الواحد لأهداف شخصية وليست تصحيحية .
هنا علينا أن نقف وقفة إجلال وإكبار وشكر وعرفان لأولئك المسؤولين الذين نالوا تلك المناصب الإدارية وعرِفوا قدرها وأمانتها إنسانياً ومؤسسياً ، فغيّروا في بيئة العمل وجعلوها بيئة جاذبة ومحفزة لمواصلة العطاء ، فجعلوا أبواب مكاتبهم مُشرعة للجميع واستبدلوا أرقام الدخول إليهم بنظامها السري إلى استئذان شخصي وعلني ، والبعض منهم فتح قنوات التواصل بلا تحفظ ، بل إن البعض منهم حّول المكاتب الإسمنتية إلى مكاتب زجاجية مرئية للجميع ، لأن التعامل الإنساني يستوجب عليه ذلك ، لكونه ليس في غابة ملأ بالوحوش ليخاف من هجومهم الشرس عليه ، بل هو في بيئة عمل لا بد فيها أن يُحسن النية والتصرف وأن يقف على حيثيات مسار العمل بكل وضوح وشفافية .
وأخيراً هنا لديّ كلمة بسيطة لكل من يشغل منصباً إدارياً أو يطمح لذلك أو يسعى إليه بنزاهة ، لا بد لك أن تكون صاحب رؤية تطويرية وأهداف واضحة وثقة راسخة بذاتك وبالآخرين في مؤسستك ، وأن تتسم بشخصية إنسانية وأن تمتلك روحاً باسمة وهمة عالية ومعطاءة ، وأن تكون من ذوي القدوة الصالحة لمن تتعامل معهم ، ومعززاً لمبادرات الآخرين ومقدراً لعطائهم وإسهاماتهم المهنية والمجتمعية ، حينها ستكون إدارياً ناحجاً لا تنظر للإشادة والتقدير فقط ، بل للتنمية والتطوير لترتقي بمسيرتك المهنية إلى أعلى المراتب ، وستبتعد عن التفاخر بمنصبك لأنه لا محال فإنه زائل في يوم من الأيام إما بتقاعد أو موت …