وقفة مع النفس بين عام مضى وعامً جديد
بقلم د/ عبدالحكيم أبوريدة
معلم بوزارة التربية والتعليم
منذ ايام ودعنا عاماً ميلادياً واستقبلنا عاماً أخر ، ونحن جميعاً في كل يومٍ نودع عاماً ونستقبل عاماً وهكذا إلى أن يأتي أمر الله ، وما دام امر الله لابد واقع والإنسان إذاً هو بضعة أيام كلما انقضى منه يوم انقضى بضعُ منه فكما قال الحسن البصري – رحمه الله- “يابن آدم إنما انت أيامٌ مجموعة كلما ذهب يومك ذهب بعضك”.
وتعلمون أيها الإخوة أن الإنسان بين ثلاثة أيام يوم مضى ويوم يعيشه ويوم سيأتي ، فاليوم الذي مضى مضى بخيره وشره، بسعادته وشقائه، وهو أجل، واليوم الذي سيأتي لا تملكه وهو أمل فلا أحد يعلم ما سيكون عليه حاله في صبيحة اليوم التالي هل هو من الأحياء ام الأموات؟ هل هو من الأصحاء ام من المرضى؟ هل هو من أصحاب العقول ام ممن فقد عقله؟ وهكذا فهذا اليوم الذي سيأتي لا نملكه ، وهذا اليوم الذي مضى لا جدوى من الحديث عنه،بقي اليوم الذي نعيشه وهو محل الحديث عنه وهو محل العمل.
لذا كان حرياً بالإنسان ان يقف مع نفسه وقفةً فى مستهل كل عام محاسبًا لها على ما قدمته مستدركاً ما فات ، ويتوب عن العثرات ، ويحمد الله عزوجل على ما وفقه إليه من صالح الأعمال، ثم يعقد العزم على أن يواجه العام الجديد بقلوب مؤمنة ونياتٍ صادقةٍ ورغبة أكيدة في فعل الخير واتباع الحق وطاعة الله وتقواه.
ولقد كان سلفنا الصالح يحاسبون أنفسهم علي الصغيرة والكبيرة، يقول الحسن البصري- رحمه الله- ” لا تلقى المسلم إلا يحاسب نفسه ماذا أردتِ تعملين؟ ماذا اردتِ تأكلين؟ ماذا أردتِ تشربين؟ والفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه” ،وكان الأحنف بن قيس يجيء إلي المصباح وهو مشتعل فيضع إصبعه فيه ويقول”حس يا حنيف!ما حملك على ما صنعت يوم كذا ؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟، وقال مالك بن دينار ” رحم الله عبداً قال لنفسه ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ألزمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله عز وجل، وهذا محمد بن سيرين يقول” إني لأعرف معصيتي في خُلق زوجتي ودابتي”، أي إذا رأى تغيّراً في أخلاق زوجته أرجع ذلك إلى نفسه واعتبر أن ذلك من آثار ذنبه، والأمثلة في ذلك اكثر من ان تحصى.
فعلى الإنسان ان يحاسب نفسه عن كل يوم على خمس صلوات مفروضة في بيوت الله فضلا عن النوافل، ويحاسب نفسه على زكاته وأعدادها وأوقات وجوبها ودقة مصارفها، يحاسب نفسه على أهله ذوي الأرحام وعلى مواعيد زيارتهم حتى لا يدخل في عداد القاطعين لارحامهم، يحاسب نفسه عن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه؟ يحاسب نفسه عن عمره الذي يتسرب منه في أتفه المناشط فضلا عن ان يقطعه في معصيه.
وهذا درس هام للإنسان عليه ان يقتفي هداه وأن يعمل بمحتواه فلا يؤجل عمل الخير عن موعده وان يقوم لله تعالى بما افترضه عليه في جانب التعبد بما يليق به سبحانه وان يهرب من خطر الذنب ومغبة المعصية اذا لاحت أعلامها وحم مطلبها بوحي الشيطان وناصره.
عن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال:(كن في الدنيا كانك غريب أو عابر سبيل) ، وكان ابن عمر يقول( إذا اصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك).
وليتذكر المسلم وقوفه بين يدي الله عز وجل( يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه أمدًا بعيدا).
فهذا بعض ما أردت قوله وهو النذر القليل وهو غيض من فيض -جهد المقل- وكما قال القائل ( لئن وقفت قدرتي دون همتي فمبلغ علمي والمعاذير تُقبل).
وفي الختام اسأل الله ان يجعل كل أيامنا سعادة وان يرزقنا الحسني وزيادة وان يجعل ما بقي من أعمارنا خير مما مضى.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.