2024
Adsense
مقالات صحفية

هذا العام الذي ولَى

أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com

تخيلناه زمنا مفعما بالإنجاز .. عشنا تفاصيله الدقيقة، ليالي وأياما آمنين، نهارات متواصلة تدفقت من خلالها مجهوداتنا، وعواطفنا، زرعناه بآمالنا، وطموحاتنا، ما تحقق منها وما لم يتحقق، المهم أنه أتاح لنا فرصة الحديث مع النفس، وفرصة التفكير للخطوة الأخرى، شرعنا فيه كل الطاقات المتاحة، وكل الهمم الداعمة، وكل المحفزات الضاغطة، مما أتاح لنا فرصة الزيادة في عمر الإنجاز، والزيادة في إبراز الذات، والزيادة في الوقوف على مرتفع عل، أشرفنا فيه على مجموع اشتغالاتنا الصغيرة، والكبيرة، وجهنا أحدها إلى هناك، والأخرى إلى هنا، المهم لم يكن هناك فراغا قاتلا، ولم تكن هناك مساحة فارغة، ونتوقع بعد هذا كله، أننا أمضينا عاما جميلا، وإلا فليعذرنا العمر الذي ولا.
استحضرناه زمنا مربكا .. فالأزمان امتحانات عسيرة في كل مناخاتها، قلما نتجاوز أسئلتها الصادمة، ذلك المسافة الزمنية المتاحة لنا كبشر، ليس من اليسير تجاوزها، حيث تحاصرنا الأمثلة: “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” وما نرانا إلا أشلاء موزعة هنا، أو هناك، حيث تتنازعنا الأمكنة على إتساعها، والأزمنة على إمتدادها، ولأن أعمارنا محدودة، تظل مسألة توازنات الزمن مربكة إلى حد بعيد، فلا تستطيع رؤانا القصيرة أن تنجز العمر الممتد للزمن، الذي بدأ منذ زمن بعيد لم تستطع الأجيال السالفة كتابة لحظة بدايته، ولم نستطع نحن أن نسجل لحظة مروره علينا لضآلة المنجز، ولن تستطع الأجيال اللاحقة أن تضع له نقطة نهاية، أنه الإمتحان الأعسر، حيث تحاصرنا أسئلته الممتدة عن عمرنا الذي ولا.
قسناه عمرا سهلا .. حيث ديمومة الليل والنهار، نفرح بإشراقة شمسنا اليومية، تطل علينا لتضيء لنا جوانب الكون المختلفة فتبعث فينا الأمل، والسعد، والبهجة، فنترقب اليوم التالي بنفس هذه اللهفة، ولا ندرك حينا أننا نتعامل مع عملة صعبة، وصعوبتها في عدم التوفيق بين مساحة زمنية متاحة لنا لا تتجاوز ثواني عديدة، فإذا بالعمر يمضي، وضحكة الشمس من مشرقها لم تكن مغرية بالصورة التي نتوقع، فثغرها الجميل في صباحات الأيام، هو نذير لمن يدرك أن مغبة التلاعب مع الزمن مخاطرة كبيرة، من الخطورة الاستمرار فيها، لأن العمر المتاح لنا في هذه الحياة لا يتيح لنا مستوى الأمل الذي نبنيه كل يوم مع إشراقة شمسنا الحنونة التي نعرف، وشمسنا المنذرة التي لا ندرك، إنها معادلة الزمن الصعبة التي لم يدركها من كان قبلنا، ولم ندركها نحن، ويبدو أنه لن يدركها الآتين، ولذلك فستظل شمسنا المشرقة إمتحاننا المستمر تشرق كل يوم على أمتداد الأيام التي ولت.
توقعناه مكسبا مضافا .. سعيناه لأجل أن يكون ذلك المكسب، ففي حياتنا لا نقبل الخسارة، خاصة وأن مكسبنا بين أيدينا، نحن من نصنع عوامل نجاحه، ونحن من نعمد إلى نمو عوامل خسارته، صحيح أن بعض الأقدار مكتوبة على الجبين، كما يقال، ولكن ذلك لا يجب أن يثنينا عن تحقيق مكاسب عديدة من كثير مما نستفرغه من طاقة هنا أو هناك، علنا أو سرا، فحتى الصدقة هي مكسب، وهل هناك من لا يستطيع أن يقدم صدقة ما، إذن القرار بأيدينا إن أردناه مكسبا، أو أردناه خسارة، والانتظار للفرصة المتاحة كما نتخيل، هو ضرب من الخيال الآخر المؤدي إلى الهلاك من حيث لا ندري فأعمارنا تتوالى وتولي إلى حيث لا منتهى.
وأنهيناه واقعا مختلفا .. هكذا نجزم مع نهاية كل يوم، وكل شهر، وكل عام، حيث تدهشنا مكتسبات الأيام، ونرى فيها تحقيق حلمنا الذي أقلقنا زمنا، فإذا بالزمن مكتسب من حيث لا ندري، هكذا نقنع أنفسنا، ولا نزال عند قناعتنا، حتى في أزمان الهزيمة التي تمارسها علينا الأيام، وإن ولت، هي في النهاية رصيدا عمريا، ألم نبلغ اليوم الاربعين، والخمسين، والستين، هكذا إذن نحسبه عمرا متراكما وإن ولى .

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights