طيار متدرب وصباح فارغ
يوسف بن راشد البادي
مجموعة من أظرف لطاقات صباحية، تلقي التحية على الصباح الفارغ من الحراك الآدمي، تلك وردة
توها توهجت وانتعشت مع أول إطلالة لأشعة الشمس، وعلى الجانب الآخر أزهار الياسمين، تبدأ بتشغيل المحرك، لا أدري كم هي سيارتكم دقيقة في الأناقة والنظافة، أما عني فغالبا ما تجد بعضاً من الملفات الورقية ورملة شاطئية حيث تنطلق بسرعة مقبولة بمقدار ١٢٠ كم/ساعة وهذا يذكرني تماماً بصوت وفعالية المحرك الصباحي لطائرة C172 عندما تقلع بشكل سلسل مداعبةً للذرات الهوائية الكثيفة التي نتجت من خلال الدورة الليلية. هناك السماء صافية مع نسمات الهواء العليلة، وبرج المراقبة يطلب منك الاتجاه 30 درجة لجهة اليسار حتى يأخذك إلي شمال خط شاطئ “دايتونا بيتش” – بولاية فلوريدا الأمريكية-، وهنا فرصتك الوحيدة كي تحاول الوصول إلى 3000 قدم بأسرع وقت حتى يمكن لك بعدها الاستمتاع بأول الدقائق الصباحية التي لا يمكن أن تكون بهذا الجمال لبقية اليوم، محاولاً الاستفادة من الارتفاع الذي يبقي روحك سعيدة مع بدايات الحركة البشرية الصباحية، حيث الطيور والزهور التي تبتهج لأشعة الشمس الدافئة. بعد تلك الفترة الممتدة من خمس إلى عشر دقائق من الرفاهية،يبدأ العمل على التدريب من Manoeuvres في مناورات تدريبة لا يحبها الأغلبية، وإن تمكن منها يقول الحمدلله أني تجاوزتها، لكنها في النهاية هي جزء لا يتجزأ من المتعة خاصة بعد التمكن منها والتأقلم عليها، كتلك التي تطلب منك الدوران 180 درجة سواءً لليمين أو اليسار على أن تبقى محافظا على الإرتفاع والسرعة مع مراقبة إن كان حولك متدربون آخرون، وأحيانا يكون كثير منهم مبتدئين لذا وجب عليك المحافظة على سلامتك وسلامتهم، وأحياناً أخرى تكون
ًالسماء ملكاً لك، وكأن هناك أمرا ما غير طبيعي يراودك.
ولكن كل ما في الأمر أنه اليوم أوالصباح الذي
يفضل الأغلبية النوم فيه بدل الطيران أو ربما لأن الطلاب يحضرون للاختبارات النهائية و يبقى هو نفس الحال عندما يحين موعد نهاية الرحلة، حيث غالبا ما يفضل المدربون عبارة Let’s Go Home -لنعد للموطن- حيث أقلعنا، وهي عبارة فيها شئ من اللطافة والراحة خاصة بعد قضاء ما بين الساعة أو الساعتين من المناورات التدريبية.أما عن الشي الأهم والذكرى التي لا تنسى فهي عندما تسمع من كان يعرفك ومن لا يعرفك وهو يقول لك: Welcome to the Team أو Welcome to the Club أهلا ومرحباً بك في النادي أو في فريق الطيران،هذه هي العبارة التي تعطيك جواز العبور الحقيقي لعالم الطيران فعلياً.
وبطبيعة الحال تسمع الكثير وتدرس من العلم الكثيف ومن قبل خبراء طيارين والبعض منهم حاصل على درجة الدكتوراة والآخر بروفسور والآخر لا يزال على دكة خطوط طيران أمريكية أو أنه تقاعد وصار مثقلاً بالمعلومات والخبرة المفعمة بالتجارب والمعرفة والأحداث اليومية والتي أصبحت روتينية بالنسبة له ولكن ساعة التغيير لمجرى السلامة حاضرة وقت ما تستدعي الأحداث والمواقف.
أهلاً وسهلاً بك في نادي الطيران تسمعها بعد أول رحلة انفرادية Solo Flight وهي الرحلة الأولى التي يكون قرارك وشخصك حاضرْين على دكة كابينة الطائرة فقط. بعد المرحلة هذه تكون تحت الأمر الواقع أي أنك صرت مسؤولاً مسؤولية تامة عن عالمك الجديد، ليس بالمعنى أنك تنفصل انفصالاً تاماً عن عالمك السابق، بل إنك تحاول أن تكيف روتينك اليومي مع طبيعة عالم الطيران، حيث أني ذكرت مصطلح (طبيعة) لكون القارئ والمحب للمجال هذا يعلم بأن الأمر تكليف وتشريف في ذات الوقت. فتلك الرحلات المتواضعة من ناحية مدة الرحلة ومسافتها هي من تنطلق بك إلى رحاب أوسع بخيالك وعالمك النفسي، والتي يكون بناؤها تدريجيا من خلال لغة الثقة النفسية والتي من الممكن أن تعرف بالبناء والعمران الداخلي لنفسك و الذي يتمحور بين هذه اللغة وبينك عمليا.