مجلس الشورى العماني.. الأصالة والمعاصرة
د. خميس بن ماجد الصباري
يمكن للواعي الفطن أن يقتبس النور من مشكاة القرآن العظيم ؛ ليبصر به الطريق المستقيم في كل شأن من شؤون الحياة؛ ومنها شأن الشورى؛ يقول تعالى :” …وشاورهم في الأمر”. ويقول:” وأمرهم شورى بينهم”.
الحظوا معي التركيب ” بينهم” مكون من “بين” و ” هم” يعني الظرف مضافا إلى الضمير؛ فهما نسيج واحد؛ أي وطن ومواطن.
وكلاهما يتبعون الجملة الاسمية المكونة من المسند، والمسند إليه في تعبير مؤكد من حيث اسميته، ومن حيث دلالة الاسمية على الثبوت.
ومن يقرأ في الأدب العربي الأصيل سيدرك تلك المجالس التي كان يطلق عليها بعض الحكماء اسم ” المقامات” تعظيما لشانها؛ يقول زهير:”
وفيهم مقامات، حسان وجوههم، وأندية ينتابها القول والفعل
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل”.
والمجالس عند أهل عمان ليست بغريبة ؛ لأنها من نسيج المجتمع.
يروى أن عمرو بن العاص عندما جاء برسالة رسول الله ( عليه الصلاة والسلام) إلى ملكي عمان عبد وجيفر ابني الجلندى اجتمعا بأهل الرأي والحزم من أهل عمان؛ فخرجوا برأي واحد.
ونحن اليوم لا نزال نعيش واقع (السبلة) وما هي إلا مجلس في كل بلدة وقرية وحارة؛ يجتمع فيه الشيوخ الحلماء، والأبناء النجباء.
ويأتي العصر القابوسي المجيد؛ فيكون للشورى مؤسسة سيادية محددة؛ منوط بها أدوار رقابية وتشريعية. ولا تزال هذه الأدوار تتطور وتتفاعل؛ لتكون سندا للحكومة وعضدا لها في سن القوانين والتشريعات، ومراجعة الخطط والمشروعات؛ على وفق رؤية واضحة، ومنطق سليم، ونقاش هادى، وحوار مريح.
إن طموح الشعوب كبير للتعبير عن مشاركاتهم في مجالس الشورى؛ فرغبتهم الأكيدة في التطوير تبدأ من أنفسهم اولا؛ لاختيار المؤهلين على أساس الكفاية الفكرية والعلمية والأدبية والخلقية؛ لا على اساس استعطاف المواطن بشعاراتهم الزائفة، واستدرار المنافع، ودغدغة المشاعر؛ وحينئذ سيحصل التطور، وينتعش التمدن.
نزوى- سلطنة عمان
١٢ أكتوبر ٢٠١٩