العجوز المُراهق !
صبرى الموجى:
كان يرتدى (بدلة) أنيقة، ونظارة شمسية تُخفى عدساتُها السوداء عيني ذئب ماثل في صورة عجوز، اندس وسط المشترين في أحد الأسواق المُكتظة بحجة الشراء، أخذ يتلفت يَمنة ويَسرة بحثا عن فريسة يروى بها ظمأ نفسه الجامحة، فوقعت عيناه على امرأة في أوائل العقد الرابع، حوراء العينين، زجًّاء الحاجبين، بضة الجسم، ليست بالقصيرة ولا الطويلة، ظنها قنصا سهلا فأخذ يُطاردها أينما حلت، وحيثما ارتحلت، إذ كان أقرب لها من ظلها، كان كلما أسرعت يُوسع الخطى، وكلما تباطأت يسير الهُوينى، أخذ يُسمعها كلمات، تُدغدغ المشاعر وتخْدش الحياء، فبدت عليها حُمرة الخجل، واضطربت أنفاسها، واشتد وجيب قلبها، وتمنت آنذاك أن تنشق الأرض وتبتلعها؛ لتتخلص من (سماجة) ذلك العجوز المُتصابي، ولما أعيتها حيل الفرار من ذلك الذئب الجائع ، صرخت مُستنجدة بمن حولها فهبوا لنجدتها ولاذت بالهرب دون شراء ما تريد .
هذه الواقعة الأليمة وغيرُها من وقائع نراها رأي العين ونسمع عنها صباح مساء، تؤكد مقدار ما تعاني منه مجتمعاتنا مُؤخرا من سلوكيات شاذة، وأخلاقيات غريبة تختلف تماما عن الصبغة الأخلاقية لشعوبنا الأصيلة، ونخوة (ولاد البلد)، وهو داء التحرٌش الجنسي الذي يرفضه الدين ـ أيُ دين ـ وتأباه الفطر السوية والأخلاق الحميدة.
وترجع خطورة ذلك السلوك الشاذ إلى أن الأسر صارت لاتأمن معه خُروج امرأة، أو فتاة بمفردها خشية التعرض لمُضايقات لا تُحمد عُقباها، وربما كوارث لا ينفعُ معها ندم.
وبنظرة موضوعية يتضح أن ذلك السلوك الشاذ إنما يدل على غياب الدين والعقل عند من يقترفه، لأنه نسى أنه دَينٌ لابد أن يُقضى ، وكأس لابد أن يذوق مرارتها في أهله عاجلا أو آجلا، فكما تدين تُدان.
لهذا وجدنا النبي صلي الله عليه وسلم لما جاءه أحد الصبيان يستأذنه في أن يُرخص له الزنا ، يُغلب صوت العقل، ويؤصل لدور الحوار في تقويم المعوج فلم يعنف الصبي بل أقنعه بالحجة ، ونفره من اقتراف ذلك الفعل بالمنطق والعقل، ففاجأه بالسؤال : أ ترضاه لأُمك؟ فأجاب الفتى بالنفي، ثم أخذ يُعدد له محارمه، مُستفهما منه أيرضى أن يُرتكب معهم ذلك الفعلُ القبيح؟ وتأتى إجابة الفتى بالنفي الدائم، الذي كان إقرارا منه بأن ما طمحت له نفسُه سلوكٌ مذموم ، ومن ثم فقد رفضه لنفسه ولغيره.
وبالسؤال عن طرق مقاومة ذلك الداء العضال، تأتى الإجابة بأنه لابد أن نسد أبواب تلك الجريمة بأقفال من حديد؛ بأن تخرج الفتاةُ (مُحتشمة) الزي، ولا تتكلم إلا في أضيق نطاق، وإذا حدث فعليها ألا تخضع بالقول، لكيلا يطمع الذي في قلبه مرض، أو تُثير غرائز الرجال خاصة الشباب ، الذين صار الزواج بالنسبة لهم مع غلاء المعيشة وتعدد المطالب حُلما يصعب تحقيقه، فضلا عن ضرورة تغليظ عقوبة ذلك الفعل الشائن؛ حتى يرتدع من تسول له نفسه ارتكابه، أو تحدثه بإتيانه، هذا بالإضافة إلى ضرورة أن تخطو الدول خطوات جادة في حل أزمة السكن، بالسماح بالتوسع الرأسي ، وتوفير أراضى البناء بأسعار تتناسب ودخول الشباب ، بالإضافة إلى إيقاظ الوازع الديني لدى الشباب من خلال دور العبادة ووسائل الإعلام حتى نتمكن من القضاء على تلك الظاهرة التي أضحت خطرا يُهدد البيوت.