الاستنقاص من حق الأخرين

عواطف السعدية
الاستنقاص من حق الآخرين ليس رأيًا ولا صراحة، بل هو انعكاس لنقصٍ داخلي لم يجد طريقه للشفاء، فالشخص الذي يقلّل من قيمة من حوله، لا يفعل ذلك لأنه أقوى أو أذكى، بل لأنه يشعر في داخله بتهديدٍ دائم، وكأن نجاح الآخرين يفضح ضعفه المستتر.
هذا السلوك غالبًا ما يولد من مقارنةٍ مؤلمة، ومن شعورٍ دفين بعدم الكفاية، بدل أن يعمل الإنسان على تطوير ذاته، يختار الطريق الأسهل: هدم غيره بالكلمات، فيظن أن التقليل يرفعه، ولا يدرك أن الاحترام لا يُنتزع بإسقاط الآخرين، بل يُبنى بالوعي والنضج.
الذي يستنقص من الناس يعيش صراعًا داخليًا؛ فهو محتاج للاعتراف، خائف من التجاهل، ومتألم من فكرة أن غيره قد يتفوّق عليه، لذلك يلجأ للسخرية أو الانتقاد الجارح، ليخلق وهم التفوق، ولو كان مؤقتًا.
لكن الحقيقة الواضحة أن الكبار لا يحتاجون إلى التقليل من أحد، فالإنسان الواثق يرى نجاح غيره إضافة لا تهديدًا، ويتعامل مع الاختلاف كثراء لا نقص، أما الاستنقاص، فهو علامة على هشاشة داخلية لم تُعالَج بعد،
الاستنقاص من الآخرين خلقٌ مذموم، قبل أن يكون سلوكًا اجتماعيًا، وهو دليل على قلبٍ لم يذق طعم الرضا، ونفسٍ لم تتصالح مع ذاتها، فالإنسان السويّ لا يرى في نجاح غيره تهديدًا، ولا يحتاج إلى التقليل من الناس ليشعر بقيمته.
من يستنقص الآخرين يظن أنه يُضعفهم، بينما هو في الحقيقة يعرّي ضعفه أمام نفسه والناس، كلماته قد تؤلم، لكنها لا تنقص من قيمة أحد، لأن القيم الحقيقية لا تُسلب بالكلام، بل تُعرف بالأفعال.
أما كيف نتعامل معه، فالأمر يحتاج حكمة لا مواجهة لا تجعل كلماته ميزانًا لقيمتك،
من يراك بعينٍ مشوّهة، لن يراك كما أنت مهما فعلت، لا تجادله لتثبت نفسك.
الجدال مع المستنقص يغذّي شعوره بالقوة، والصمت الواعي أحيانًا أبلغ من ألف رد.
واجهه بحدود واضحة إن لزم الأمر.
قل له بهدوء حديثك غير مقبول، دون إساءة أو انفعال، فالحدود ليست قسوة، بل احترام للنفس.
الرد بالاستنقاص يحوّلك إلى نسخة منه، وأنت خُلقت لترتقي لا لتنحدر.
أشفق ولا تبرر، افهم أن هذا السلوك نابع من ألم، لكن لا تسمح للألم أن يؤذيك.
وفي الختام، تذكّر أن الله لم يرفع أحدًا بتقليل غيره، ولم يُعِزّ نفسًا بكسر الناس، من أراد العلو، فطريقه الأخلاق، ومن طلب القيمة، فمصدرها الداخل لا المقارنة
وفي النهاية الكلمات التي نستخدمها لوصف الاخرين ، تعود لتكشف حقيقتنا نحن ، فمن احترم الناس ارتقى ، ومن استنقصهم انكشف ولو بعد حين .



