ترنيمة اعتذار
منال السيد حسن
قيل أن ” الحُب هُو أن تكُون الإجابات مُطمئِنة، وليستْ مَنطقيّة. “ …
وحده كان منطقيا معها حد أنها لا تشعر بثمة طمأنينة سوى معه ومطمئنا في أشد حالاته منطقية وعقلانية .. يحبها وهي تعلم ذلك.
لم يكن الرضا سهلا حين رَضِيَّ، طوال سبع سنوات وأكثر حملها في قلبه رغم كثرة محاولات خروجها عن المسار الذي رسمه لإبقاء علاقتهما سويا على قيد الحياة .. في كل مرة كانت تنفث سموم عصيانها له -رغما عنها- كان يقف بمرصاد تفاؤله بها لإبقائها على الطريق الصحيح – لا تنكر أنها استغلت ذلك مرات كثر رغم تكشفه لها ولكنه كعادته بكل ذكاء يقومها ويأخذ بيدها- كان يعلم تماما كيف له أن يبصر بداخلها النور رغم جُم غضبه منها أحيانا واستفزازها لصبره أحيانا أُخر .. وكان يرضى-محبة ليس إلا- .
يقول أدهم الشرقاوي “الطريقة الوحيدة لتحصل على الحب هو أن تقدمه” .. كانت تجوبها فوضاه التي زرعها في نفسها؛ ناشد قلبها الطري لطفه البريء .. مد يده الخصيية وزها مثل عيد مملوء باللهفة .. فرتلت عيناها في حضرة روحه الخلود.
ورغم محاولاته الفاشلة أحيانا في إظهار قسوته والقاتلة أحيانا أخرى حين يقسو ولكنه كان يلين وكانت هي تصبر كوصيته لها .. اقتناعها وقبولها ورضاها كانوا جميعا مفتاح الصبر والتجاوز لتخطي تلك العقبة بنجاح رغم مرارة الانتظار.
استسلامها الدائم لقراراته -التي وإن دلت فتدل على رجاحة عقله وحسن تقديره للأمور- كان أكثر قراراتها صوابا.
وعلى الرغم من كل الخيبات التترى التي سببها كلاهما للآخر .. ورغم كل محاولات الخذلان التي باءت بالفشل .. أمام ابتسامة منه تشعر بها دون أن تراها .. أو سلام منه يسكنها حين تخضع أو تلين؛ كان الملاذ الآمن لها .. كان نقطة الضوء التي ظهرت فجأة بمحض إرادة الله .. الإرادة التي كانت سببا في لقاءهما و…. حسنا؛ تعلمت معه كيف أنه ليس كل ما يؤلمنا يضرنا ورأت معه كيف لكل هذه الرقة أن تجتمع وهذا القدر من الصلابة.
تعرف جيدا كم خذلته وعودها السابقة بألا تعود لممارسة أخطاءها بحقه .. تعرف كم عدد المرات التي تورطتْ بها في كونها سبب المشكلة .. ولم يبالِ .. تعرف كم عدد المرات التي ساءته فيها كلمات عتابها القاسية .. وكم من تصرفات غير محببة لديه فعلتها رغما عنها!!
لعله ملَّ اعتذاراتها حد الغضب وسئم انفعالاتها الغير مقبولة..
لعله لم يقتنع مرات كثر بحججها الواهية واسترسالها لأسباب المشكلة .. لكنه ظل المدخل الأثير إلى نفسها.
لا زالت على عهدها القديم تجاهه .. قالت لنفسها وهي تبكي بمرارة وكأنه تجلى أمامها “والله ما افتعلت مشكلة قصدا .. والله ما كنت لأقصد ولو مرة إيذائك قولا أو فعلا .. والله يا حبيبي إني لأتأذى نفسيا بسبب تصرفاتي الحمقاء أكثر منك .. لطالما كنت ودودا في تقبلك أعذاري .. اغفر لي .. ليكن قلبك وروحك كما عهدتهما .. أنا لا أعرف ماذا أقول لخطأي بحقك و إني لأعرف أن كلماتي وإن كثرت لن توفيك .. لكنّي وإن تماديت أعلم أنه لن ينقص ذلك من قدري عندك ولو شيئا .. والله يا حبيبي لا أثقل على نفسي من أن أكن سببا في مضايقاتك لطالما تمنيت أن أكون واحتك المريحة .. كل ما في الأمر يا حبيبي .. كل ما هنالِك أني أحبك بعد الحب وأكثر .. فلتتحمل نوبات جنوني الزائدة .. -نعم أعرف انها زائدة-.. ولتكن كما عهدتك رحميا بي .. قد أكون مقصرة .. لكني أجاهد نفسي .. احتمالات خطأي واردة لكني أريد أن أكون على صواب ولن يكون إلا بتشجيعك و أن أشدد بك أزري .. أنت سندي ومتكأي وملجأي .. وإني أعدك أني سأكون كما أردتني أكون .. لطالما مصرة على جعلك أسعد كائن على وجه الأرض .. فهلا تتقبل رجائي.. وتغفر لي ذلاتي؟!” ..
يقول أنيس منصور ” هي لا تحبه لما هو عليه .. هي تحبه لما تكون عليه عندما تكون معه .. هي لا تحبه لما صارت إليه ولكنها تحبه لما صيرها هو إليه .. هي تحبه بسبب ما كان في أعماقها وجاء ليخرجه هو للسطح” .. وكأنه مسح بيديه الرقيقتين على كتفها؛ ابتسمت .. وتذكرت انه وحده من شهد انكساراتها .. هزائمها ونجاحاتها .. وحده يعرف أن الطريق لم يكن ممهدا أو سهلا أبدا .. وحده من علمها أن في كل انكسارٍ صلابة وكل هزيمةٍ مكسب .. وحده من أفاقها على حقيقة التفكير العملي الملموس .. وفي كل مرة يسحبها الفشل خطوة يشدها للأفضل خطوات تمحو معها آثار ذاك الفشل.
كل الذين صبروا جبروا بأشد ما ترجوه قلوبهم .. وهذا ما علمها إياه .. لطالما الصبر كان منفذها الوحيد لتقبل حقيقة الأمور من حولها .. تناشده الآن رأفة بحالها التي لا يعلمها إلا الله .. ترجوه محبة ليس إلا.. وتسترضيه محبة ليس إلا – لطالما كان رضاه أولى أولوياتها – أن يكن حليما معها طالما دوما يغفر رغم غضبه ولا يبالي .. وما هي الحياة في الحب سوى القدرة على تقبل عيوب الحبيب وترويضها وإيجاد الحلول المناسبة للتعامل معها .. وثقة به كان هو الأجدر دوما على ذلك.
ترنيمة اعتذار