الأربعاء: 17 ديسمبر 2025م - العدد رقم 2767
مقالات صحفية

ماذا عن الأنثى النرجسية؟

د. حمده حسن

الأنثى النرجسية في العلاقات الاجتماعية والأسرية

وجهٌ جميل… وقلبٌ لا يعرف السكون.

الأنثى النرجسية ليست مجرد امرأة تُحب ذاتها، بل هي كيانٌ يبحث باستمرار عن مرآةٍ يرى فيها بريقه الخاص.
قد تبدو في البداية لطيفةً، متفهمةً، وتهتم بالآخرين، لكن ما تلبث أن تكشف عن وجهٍ آخر؛ وجهٍ لا يهدأ إلا حين تكون هي محور الحدث وصاحبة التأثير.

في محيط الأسرة: صانعةُ الفتنة بثوب “المصلحة”

داخل الأسرة، تمتلك الأنثى النرجسية قدرةً مدهشة على تفكيك الروابط دون أن تُتَّهَم أبدًا بأنها السبب.
تتسلل إلى تفاصيل العلاقات كنسمةٍ دافئةٍ في البداية، ثم تتحول شيئًا فشيئًا إلى ريحٍ خفيفةٍ تحمل بذور الفتنة.

تنقل الكلمات بين الإخوة، تُضخّم المواقف البسيطة، وتزرع الشك في النفوس.
تُخبر هذا بما قاله ذاك، وتُضيف من عندها نغمةً من “الاهتمام” لتبدو كمن يسعى للخير.
لكن الحقيقة أنها لا تحتمل أن ترى انسجامًا لا تكون هي فيه القلب النابض.

وحين تتصاعد الخلافات، تدخل المسرحَ بدور المُصلحة، تجمع الأطراف، وتبكي أحيانًا لتبدو بريئة.
تتحدث بلباقةٍ عن التسامح، بينما هي المخرج الحقيقي للمشهد كله.
وفي النهاية، تخرج منتصرةً: الجميع يشكرها على جهودها، والجميع يعود إليها في كل أزمةٍ جديدة.
هكذا تحكمهم جميعًا بخيوطٍ من الحيلة والدهاء.

بين الأصدقاء: الملكةُ المتوَّجة على عرش المقارنات

في دائرة الأصدقاء، تسعى الأنثى النرجسية لأن تكون الأكثرَ جمالًا، والأكثرَ تأثيرًا، والأكثرَ حديثًا في المجالس.
إن أُعجِب أحدٌ بصديقةٍ أخرى، تتغير ملامحها بلطفٍ مصطنع، وتبدأ في إضعاف الصورة الجميلة لتلك الصديقة، بكلماتٍ تحمل السمَّ في عسلٍ من المجاملة.

تُحب أن تخلق التوترَ الخفيف بين صديقاتها، ليبقى الجميع في حالةِ تنافسٍ خفيٍّ على ودّها ورضاها.
فهي لا تريد الصداقاتِ المتوازنة، بل تفضّل العلاقاتَ التي تجعلها دائمًا نقطةَ الارتكاز.

وإن شعرت أن إحدى صديقاتها أصبحت لامعةً أو ناجحة، تبدأ في انسحابٍ بطيءٍ أو حربٍ صامتةٍ من التجاهل البارد، لأن النرجسية عندها لا تحتمل أن تتقاسم الضوء مع أحد.

في العلاقات العاطفية: حبٌّ لا يرى إلا نفسه

حين تحب، لا تمنح حبًّا بل تمنح انعكاسًا لذاتها.
تريد شريكًا يُعجب بها، يُمجّدها، ويقدّرها باستمرار.
فهي لا تبحث عن علاقةٍ متبادلة، بل عن مسرحٍ تصعد عليه لتُصفّق لها العيون.

وإذا لم تجد ذلك، تنسحب أو تبدأ لعبةَ اللوم والانتقاد لتستعيد السيطرة.
إنها تُحب أن تُحَب، لكنها لا تعرف كيف تُحب بصدق.

خلف المظهر البراق: هشاشةٌ مخفية

وراء هذا الوجه القوي المليء بالثقة، روحٌ هشةٌ تخاف الرفضَ والإهمال.
قد تكون تربّت على حبٍّ مشروط، أو عاشت طفولةً افتقدت فيها الاعترافَ بقيمتها.
فصارت تبني حولها جدارًا من التعالي كي لا يُرى ضعفها.
كل ما تفعله من سيطرةٍ وتلاعبٍ ما هو إلا محاولةٌ يائسةٌ لإثبات أنها تستحق الحب.

كيف نتعامل معها؟

لا تنخدع ببريقها، فليس كلُّ بريقٍ ذهبًا.

ضع حدودًا واضحةً بينك وبينها.
لا تدخل في لعبةِ التبرير أو الدفاع، لأنها تجيد تحويل الموقف ضدك.
عامِلها بلطفٍ متوازنٍ دون أن تسمح لها بالتحكم في مشاعرك أو علاقاتك بالآخرين.

الأنثى النرجسية ليست شريرةً بطبيعتها، لكنها مريضةٌ بالفراغ الداخلي.
تحتاج إلى ضوء الآخرين لتتوهج، لأنها لم تتعلم أن تضيءَ من داخلها.
فإذا لم تجد من يحدّها أو يراها بوضوح، تحوّلت نرجسيتها إلى دوّامةٍ تبتلع من حولها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights