مقال: ما بعد صلاة الجمعة
محمود بن خلف بن ناصر العدوي
تتعدد وسائل تصحيح المسارات الخاطئة للإنسان في هذه الحياة إلى مسارات صحيحة وتتخذ أشكالاً متنوعة ما بين محاضرات دينية أو اجتماعية تقام في المساجد ومحاضرات مسجلة في أشرطة مسموعة وأخرى نصائح مكتوبة يقدمها أهل العلم والدين، ومن أهم تلك الوسائل المهمة هي صلاة الجمعة ولأهميتها الكبرى فقد ذكرت في القرآن الكريم “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ” فهي يوم جامعة للمسلمين تجد الكبير والصغير تشدهم الاقدام إلى الجوامع وقلوبهم وافئدتهم تتطلع إلى خطبتها وما تحتويها من نصح وإرشاد تساعدهم إلى نيل رضاء ربهم وتدلهم إلى طريق النجاة والفوز بالجنة. وكما جاء ذكر صلاة الجمعة في الأحاديث النبوية الشريفة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غُفرله ما بينه وبين الجمعة ” رواه مسلم. ولأهمية الاستماع والانصات إلى خطبة الجمعة فقد شددت السنة النبوية أهمية عدم التشويش على المصلين أثناء الخطبة سواء بتخطي الرقاب أو بالأحاديث الجانبية مما يحجب بينهم وبين الاستماع والاستفادة مما يقوله الخطيب في خطبته.
فالاستماع والانصات إلى خطبة الجمعة يتوجب حضور القلب والفؤاد ليعي العقل ما يقوله الخطيب من وعيد وتبشير.
فالإنصات يقصد بها قدرة الانسان على تلقي الرسالة والتمحيص في كل كلمة يسمعها من الطرف الأخر وهي أيضا تتضمن برمجة العقل بين ما يطرح من الجوانب الصحيحة وما بين ما يفعله الانسان من الجوانب الخاطئة التي تهدم أخلاقه ودينه، وهنا يلعب الانسان دوراً مهماً في ذلك فإذا هو يريد أن يكون إنسانا صالحا وتقيا فإن عقله سيعمل على تصحيح المسارات الخاطئة ولكن إذا كان حضوره لصلاة الجمعة من أجل اتباع السنة فقط فإن عقله لن يتقبل ما يقوله الخطيب من نصح وإرشاد رغم أن السنة النبوية بريئة من ذلك فهي تؤكد على أهمية الاخذ بما جاء بها من نصوص بالقول والفعل حتى تنعكس ثمارها الطيبة على حياة الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه.
ومما تأسف له النفس أن نجد البعض حاضراً لصلاة الجمعة بالجسد دون الروح والقلب والعقل فبمجرد الخروج من باب الجامع وتوديع الآخرين بالسلام والدعاء تجده يتكلم عن فلان وفلان، وآخر ينشر أو يكتب في وسائل العالم الافتراضي ما يفسد الاخلاق والدين، ومنهم من يذم الغير ويبدأ بالغيبة والنميمة والاستهزاء بالغير سواء بحضرة مجموعة من الأشخاص أو يتخذ مواقع التواصل الاجتماعي سبيلاً لذلك فيذهب سابقه لصلاة الجمعة هباء منثورا. فخطبة الجمعة ليست كلمات تقال وعلينا فقط الاستماع إليها لأنها شرط من شروط صحة صلاة الجمعة بل هي وسيلة يجب على المؤمن أن يتخذها لتقوية إيمانه وتصحيح كافة مساراته من خلال ما تقدمه من مواعظ ونصح وإرشاد، ويجب أن تكون كلماتها مؤثرة في النفس لتكون نفسا صالحة نافعة تذكر صاحبها بما يفعله من معاصي وآثام فيرجع ويتوب ويستقيم وبذلك يكون نفعه عظيما وكبيرا على بيته وأهله ومجتمعه.
ختاماً نسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.