قصة الصديقان .. الحلقة الثانية

فايل المطاعني
بعد أن فرغ الصديقان من تناول وجبة الغداء، جلس محمد على الأريكة الوثيرة التي تتوسط صالة الطعام الفخمة، تقابلها طاولة زجاجية متوسطة الحجم، وعن يمين الأريكة مباشرةً، توجد طاولة خشبية صغيرة من طراز “أرابيسك” المملوكي، فوقها مزهرية أنيقة تتفتح منها وردة حمراء، وإلى جوارها مجسم بلوري يحمل اسم الجلالة “الله” بحرفية نادرة.
أما الحائط المقابل لتلك الجلسة المملوكية، فقد ازدانهُ إطار زيتيّ يُجسد وجه الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، أحد أعمدة الأدب والفكر في فرنسا.
انتقل الصديقان بعد ذلك إلى الصالة الرئيسية، التي لا تخطئ العين طابعها الفرنسي الأصيل، فهي مكونة من أربعة أطقم فاخرة من كراسي لويس الرابع عشر، “ملك الشمس”، بطرافٍ ذهبية وأرجل مكسوة بقماش فاخر مطرّز بنقوش زهرة البردي المصرية، تلمع خيوطه الذهبية بروعة استثنائية. وفوق الأرضية، امتدت سجادة أعجمية نادرة كانت هدية من السيدة فاطمة، والدة محمد.
وبعد أن تناولا بعض الفاكهة، جلس عمر يحتسي مشروبه المفضل: عصير الأناناس الممزوج بالمانجو، والمنثور عليه اللوز والفستق الحلبي، فدار بينهما هذا الحوار:
محمد: لم تكمل الحديث عن “الثالوث” يا صديقي.
عمر (مبتسمًا): المال، يا سيدي، هو أكسجين الحياة. كما قلت لك، هو الضلع الثالث في الثالوث.
وأضاف بعد برهة: النقاش في هذا الموضوع نقاشٌ أزليّ، وعقيم، كما شرحتُ لك سابقًا.
توقف عن الحديث لحظة، وبينما كان محمد يرفع كأس العصير ليشرب، باغته عمر بضحكة ماكرة وبالفرنسية:
“Qui c’est qui m’a dérangé au téléphone le soir ؟؟”
(من الذي أزعجني بالاتصال الليلي؟)
ضحك محمد، ثم صمت لوهلة، وقال بنبرة جادة:
محمد: عمر… أنت صديق العمر، الوحيد الذي أثق به. لا أراك مجرد صديق طفولة، بل أخ حقيقي.
قاطعه عمر ساخرًا: هذه المقدمة تعني شيئًا واحدًا… الموضوع فيه فتاة!
حب جديد، أليس كذلك؟
محمد (ضاحكًا): كيف عرفت؟ أنت ساحر… لقد وقعت في غرام فتاة حسناء.
ونهض عمر بطريقة مسرحية متقنة قائلاً:
عمر: وهل حبك يستدعي مكالمة فجرية؟!
نظر إليه محمد بصوت خافت، كأنما يهمس بحقيقة ثقيلة: نعم… يستدعي.
ثم أضاف مازحًا: وأنت تتحدث الآن، أشعر أنني أقف أمام يوسف بك وهبي!
عمر (ضاحكًا): إذًا قل لي، من هي الفتاة التي جعلتك تتصل بي عند الفجر؟ أكاد أراك ترتجف من فرط الحُب!
محمد (مترددًا): تدري من هي؟ منى بنت الكوس…
عمر (متفاجئًا): منى… من تكون بنت الكوس؟
محمد (يتنفس بعمق): منى، حفيدة رجل الأعمال الشهير علي الكوس، صاحب مجموعة الكوس العالمية.
هنا جحظت عينا عمر فجأة، كأن صاعقة نزلت عليه، فركض نحو باب الشقة وفتحه بعنف، ثم التفت إلى محمد وقال بنبرة ساخرة وعينين تلمعان:
عمر (بصوت رخيم): مسيو محمد… أخرج من بيتي فورًا!
أنت شخص غير مرحّب به هنا.
يتبع..