نقطة أول السطر .. عام مضى وأحلام مقبلات

عادل بن حميد الجامعي
42/12
في زحام التواريخ، وفي ضجيج الأعوام التي تمضي دون استئذان، اخترت أن لا يكون عمري مجرد أرقام تُضاف في جداول السنين، بل *موعدًا ملزما مع النفس، طاعة لله..* وهكذا أصبح يوم *الثامن عشر من مايو* من كل عام نقطة الابتداء، لا لانطلاق سنة جديدة فحسب، بل لانطلاق عهد جديد يُجدد في القلب رسالته، وفي العقل مساره، وفي الروح نذره..
هذا اليوم ليس يوم ميلاد يحتفل به، بل *محطة مراجعة ومحاسبة وميثاق،* أخلع فيه عن نفسي ما علق بها من تهاون، وأعيد ترتيب نيّاتي على سُلّم الرضى، فلا أدخل عامًا جديدًا إلا وأنا أعلم، لماذا أعيشه؟ ولأجل، ماذا أعمل؟ وماذا سأحمل بين يدي حين أقف وحدي أمام الله -أسأل الله السلامة- في هذا اليوم أقف بين يدي نفسي وقفة صدق، لا أزين فيها التقصير، ولا أُغفل فيها النقص، أفتح سجل عامي السابق وأقلّب صفحاته كما يتفقد المسافر حقيبته قبل عبور الحدود.. فإذا وجدت خيرًا حمدت الله، وأذنت لنفسي أن تفرح، وأن تنال ما تستحق من تحفيز، فأهديها هدية صغيرة، كتابًا رجته، أو ساعة تأمل في مكان تحبه، أو حتى لحظة شكر تُكتب بخط اليد وتُعلّق في القلب قبل الجدار..
وإن وجدتُ تعثرًا أو تقصيرًا، فلا مواربة، بل عتابٌ صريح، يشبه عتاب الصديق الوفي لصاحبه: لمَ قصّرتِ؟ وكيف ضاع منك ما كان لك أن تضيعينه؟ فيغدو العتاب بوصلة، لا عقوبة، ويكون هذا الانكسار بداية جديدة لا قيدًا على السعي.
وما بين المحاسبة والتخطيط، أرفع بين يدي ربي خطة العام، *مكتوبة في قلبي قبل أوراقي، ومبنية على الإخلاص لا الطموح المجرد،* ثم أعرضها على مرشديَّ الذين شرفني الله بمودتهما ونصحهما، أضع بين أيديهما ما أنوي، لا طلبًا للتصفيق، بل *طلبًا للدعاء والتثبيت والمشورة،* فالعاقل لا يستغني عن النور، ولو كان يحمل في قلبه شمعة يقظة..
إن العمر ليس ما نحياه فقط، بل ما نملؤه من أثر، وما نُبقيه بعد الغياب. ولذلك، جعلت من يوم 18 مايو نقطة انطلاق لا تكرار فيها، كل عام يُبنى من جديد، لا يُنسخ من العام الذي قبله، كل عام يُحمَّل بهمٍ جديد، برسالة أعمق، بمسؤولية أوسع، وبإيمان أنني وُجدت لأُضيف، لا لأمرّ عابرًا في حياة مزدحمة بالنسيان.
إنني لا أستعجل الأعوام، ولا أفر من الزمن، بل أستقبله بوعي المحاسب لنفسه، وأدب الواقف على أعتاب باب ربّه، أقول كل عام: *اللهم هذا عامٌ جديد، لا أعلم إن كنتُ سأكمله، ولكني أعلم أني أريد أن أستفتحك فيه وأستعينك، وأرجوك أن تكتبه في ميزان حسناتي، لا كومة من الأيام تمضي دون جدوى.*
أسأل الله في كل عام جديد أن يجعل البركة في أيامي، *لا في عددها بل في أثرها،* وأن يغفر لأمي وأبي، ويرحمهما كما ربياني صغيرًا، وأن يجعل رضاه عنهما سبيلاً لرضاه عني، وأن يرزقني في كل عام بصيرة أوضح، وهمة أنقى، وعملًا أقرب لما يُحب ويرضى.
فيا رب، ها هو عامي الجديد، فاجعله خيرًا من سابقه، واختم لي بما ترضاه، واكتب لي أثرًا لا يُمحى، ورضًى لا يُنتزع، وصلاحًا لا يزول.. واجعل من كل يومٍ فيه زادًا للقائك، ومن كل عملٍ فيه قُربة، ومن كل لحظةٍ فيه دعوة مستجابة.