واشنطن وتل أبيب في مواجهة محور المقاومة…. رهانات الاستنزاف وتحديات الصمود

إبراهيم مجاهد صلاح
تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إعادة رسم قواعد الاشتباك، بينما يواصل محور المقاومة فرض معادلاته بصلابة غير مسبوقة، فعلى الرغم من الهجمة العسكرية الأمريكية على اليمن، التي وُصفت بأنها الأعنف والأكثر شمولاً، لم تتمكن واشنطن من تحقيق ما كانت تصبو إليه، بل تحولت العمليات إلى كابوس استراتيجي أظهر هشاشة القوة الأمريكية في مواجهة حرب غير متكافئة، لكنها فاعلة إلى درجة أن وزير الخارجية الأمريكي وصف أنصار الله بأنهم وحش مُرعب في إشارة واضحة إلى العجز والفشل.
لم تفلح الضربات في كسر شوكة اليمنيين أو وقف هجماتهم على حاملات الطائرات الأمريكية، بل عززت الضغوط العسكرية من إصرارهم على مواصلة استراتيجيتهم في العزم على استهداف الوجود الأمريكي في البحر الأحمر والعربي واي مكان تتمركز فيه القطع الحربية الأمريكية التي تنطلق منها الطائرات والصواريخ التي تقصف اليمن، أمام هذا الواقع، وجدت واشنطن وتل أبيب نفسيهما مضطرتين إلى إعادة ترتيب الأوراق، فكان لا بد من توسيع المواجهة على أكثر من جبهة.
فجاء التوجيه بتحريك “هيئة تحرير الشام” لفتح جبهة في سوريا ضد حزب الله ضمن المخطط الأمريكي الإسرائيلي الذي يسعى إلى استنزاف المقاومة في أكثر من ساحة، فمنذ بداية معركة طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر 2023م ، بدا واضحاً أن المحور الذي يواجه إسرائيل يمتلك قدرة على التنسيق والعمل المشترك، الأمر الذي أقلق تل أبيب وواشنطن معاً، ففتح جبهة سوريا عبر الفصائل المدعومة إسرائيلياً وأمريكياً وتركياً يهدف إلى تشتيت قدرات حزب الله وإجباره على توزيع قوته بين الجنوب اللبناني وسوريا، فإذا فكر بإسناد غزة كما حصل سابقاً ، يسهل على إسرائيل التعامل معه عسكرياً.
بعد فتح جبهة سوريا قام العدو الإسرائيلي بتوجيه أمريكي بخرق الهدنة في غزة وتجدد القصف العشوائي على الأحياء السكنية والمخيمات ، مما أدى إلى استشهاد وجرح العشرات، بهذه الخطوه يظن ترامب ونتنياهو أنهم بعد أن فصلوا جبهة اليمن عن غزة وأشغلوه بنفسه ، تستطيع إسرائيل التفرد بغزة و إنهاك المقاومة فيها لأن نتنياهو يعيش تحت ضغوط داخلية غير مسبوقة، سواء بسبب فشل الحرب وعدم تحقيق أهدافها أو بسبب الأزمات السياسية التي تحاصره ، وإعادة التصعيد ضد المقاومة قد تكون وسيلته للبقاء في السلطة، في ظل إدراكه أن أي وقف للحرب الآن يعني الاعتراف بفشل مشروعه السياسي والعسكري.
أما في واشنطن، يدرك ترامب أن عودته إلى البيت الأبيض تحتاج إلى استعراض قوة يثبت به تفوق الولايات المتحدة العسكري ويستميل به رضاء المحافظين واللوبي الصهيوني، من هنا، تأتي الهجمات المتكررة في اليمن المدعومة بدعاية إعلامية مكثفة، لمحاولة إظهار التفوق الأمريكي، رغم أن الوقائع على الأرض تعكس صورة مختلفة تماماً، حيث يواصل اليمنيون عملياتهم دون تراجع، وكأن هذه الحرب لم تكن إلا حافزاً لتعزيز قدراتهم يظن ترامب ونتنياهو أن إشعال الجبهات في أكثر من محور، هو طوق النجاة الوحيد المتبقي لهم، فالقصف العنيف على اليمن لم يكسر اليمنيين، والحرب على غزة لم تحقق أهدافها،والمقاومة الفلسطينية لا تزال متماسكة، وحزب الله يواصل فرض قواعد ردعه في الشمال، لذلك، لابد من تشتيت قدرات المحور، لكن السؤال هل تمتلك أمريكا وإسرائيل القدرة على تحمل عواقب هذه المغامرة؟
بكل تأكيد أن الولايات المتحدة وإسرائيل تراهنان على استنزاف محور المقاومة من خلال تشتيته بين جبهات متفرقة، لكن هذا الرهان ليس جديداً، وقد فشل سابقاً في تحقيق أهدافه، فمنذ حرب تموز 2006 الذي خاضها حزب الله إلى حرب سوريا في عهد الأسد إلى الحرب المستمر في غزة إلى العدوان السعودي على اليمن في مارس 2015م ، أثبتت المقاومة قدرتها على التكيف مع الضغوط، بل والاستفادة منها لتطوير استراتيجياتها.
السيناريو القادم خصوصاً بعد إعلان إيران عن التصدي لطائرة تجسس أمريكية في أجوائها ، هو أن يؤدي هذا التصعيد إلى تفجر مواجهة إقليمية أوسع لا تقتصر على الضربات الموضعية، بل تمتد إلى حرب لا يمكن لأحد السيطرة على تداعياتها، فإيران، لم تعد تراقب المشهد عن كثب، بل بدأت في تحريك قطعها الحربية وتجهيز ترسنتها العسكرية فهي مضطرة إلى التدخل المباشر إذا ما تجاوزت واشنطن وتل أبيب خطوطها الحمراء.
في المقابل يظن ترامب ونتنياهو أن بإمكانهما فرض قواعد جديدة للعبة من خلال سياسة الضغوط القصوى، لكن المعادلة لم تعد كما كانت ، محور المقاومة، الذي نشأ في بيئة من الحروب والمؤامرات، أصبح قوة إقليمية تمتلك استراتيجياتها وأدواتها الخاصة ، ومع كل تصعيد جديد، تتكشف حقيقة واضحة هي أن من اعتاد على الصمود في وجه العواصف، لا يمكن إخضاعه بسهولة، وأن معركة الإرادات لا تُحسم بمجرد استعراض للقوة، بل تُحسم بمن يملك النفس الأطول في المواجهة.