2025م
Adsense
مقالات صحفية

قناع النوايا وعمى الأرواح

 سليمان بن علي الراشدي

في هذا العالم المتغير، حيث تتداخل المشاعر كخيوط العنكبوت، قد نجد أنفسنا نحيا وسط وجوه مألوفة تحمل في أعماقها نوايا غامضة. قد نقترب من أحدهم بدفء، نرسم على جبينه قبلة ثقة، بينما في داخله تتأجج نيران تود لو تلتهم ملامحنا. فالنوايا المخفية قد تكون أكثر رعباً من الكلمات القاسية، إذ تحمل بين طياتها سكيناً صامتاً، لا نراه إلا بعد أن يُحدث جرحاً غائراً في أرواحنا.

لكن، لعلّ الأشد إيلاماً هو “عمى الروح”.. فليس العمى الحقيقي هو فقدان البصر، بل العجز عن رؤية الجمال في الآخرين، وفقدان الإحساس بالنقاء والصدق من حولنا. هناك من يسيرون في الحياة بعيون مفتوحة، لكن أرواحهم غارقة في ظلام الحقد، لا يبصرون إلا الزيف، ولا يسمعون إلا صدى أنانيتهم. إنهم أولئك الذين يرون الخير ضعفاً، والمسامحة انكساراً، في حين أن النقاء قوة، والتسامح انتصار.

وفي خضم هذه المشاعر المتداخلة، علينا أن نتعلم كيف نزن القلوب لا الكلمات، وكيف نرى النوايا لا الأفعال فقط. ليس كل من يبتسم في وجهك يحمل لك حباً، وليس كل من اختلف معك يكنّ لك عداوة. علينا أن نمتلك بصيرة تتجاوز النظرة السطحية، وقلوباً تعي أن الحياة أكبر من أن تُستهلك في الظنون والمخاوف.

الحل ليس في الخوف من الآخرين، بل في أن نكون صادقين مع أنفسنا، أن نحسن الظن دون أن نُسلّم أرواحنا لمن لا يستحقها، وأن نحيط أنفسنا بأصحاب القلوب النقية التي تعكس نورها على دروبنا. ففي النهاية، لا يُطفئ ظلام الروح إلا نور الصدق، ولا يُبدّد قناع النوايا إلا وهج الحقيقة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights