الإثنين: 24 مارس 2025م - العدد رقم 2499
Adsense
مقالات صحفية

رمضان في الأدب العربي

محمد بن سعيد بن محمد المكدمي

تتجلى قداسة شهر رمضان المبارك والاهتمام الرباني به في فضائله المتنوعة والمتعددة لجوانب شتى؛ تتمثل في الجانب الديني والجانب الصحي والجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي والجانب اللغوي وغيرها الكثير.

والذي سنركز عليه في هذه السانحة هو الجانب اللغوي، حيث أن لشهر رمضان الكثير من الفضائل اللغوية، أولها الإثراء المعجمي الذي أوجد مفردات خاصة به؛ والتي بدورها ساهمت في نشاط وازدهار مفردات وولادة كلمات أخرى.

وثانيها الإثراء الأدبي والذي نحن بصدده على وجه التخصيص، إذ نعلم يقينا أن الأدب العربي هو ذلك الوعاء الذي يحوي الشعر والنثر، واللذان يصوران الواقع المعاش بكل جوانبه وأحواله، ومنها شهر رمضان المبارك.

فلقد تناول الشعر العربي شهر رمضان في الكثير من المواضيع، منها ما يتعلق بأهمية شهر رمضان وصيامه وقيامه والتقرب بالطاعات ووجوه الخير، ومنها ما يتعلق بالنصح والإرشاد، ومنها ما يتعلق بروحانيته وتأثيره على النفوس؛ كالأناشيد والابتهالات والموشحات، ومنها ما يتعلق بالألفة ولم الشمل وصلة الرحم ولقاء الأحبة.

ويظل الشعر شاهدا وموثقا لتلك المواضيع والجوانب؛ ولذا قيل: (الشعر ديوان العرب).

ونظمن هذا الكلام بمجموعة من الأبيات الشعرية التي تتناول شهر رمضان بروحانيته وأجوائه المميزة:
– استقبال رمضان
يقول الشاعر الأندلسي ابن الصباغ الجذامي:
هذا هلال الصوم من رمضان
بالأفق بان فلا تكن بالواني
– روحانية الصيام
يقول الشاعر عمر تقي الدين الرافعي:
نَفحاتُ الرحمنِ في رَمضان
أَنعَشتني بِذَوقِها الروحاني
– ليلة القدر
يقول الشاعر سيد سليم سلمي
يا لَيْلَةَ القَدْرِ آمالاً نُعَانيها
ومن مُحَيَّاكِ تأتينا غَواليها
– وداع رمضان
يقول د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل:
رمضان دمعي للفراق يسيل* والقلب من ألم الوداع هزيل.

بينما الوجه الآخر للأدب وهو النثر الذي بقي هو الآخر مصور للأحداث التي نعيشها في شهر رمضان المبارك وله تفرعات مختلفة تتمثل في الأحاديث النبوية الشريفة التي تعد أسمى النتاج البشري وأعلاه، ثم الخطب والمواعظ والقصص والروايات والحكم والأمثال فيكون شهر رمضان موضوعا ثريا خصبا مؤثرا تأثيرا فاعلا في هذه التفرعات النثرية.

وكذلك نظمن بعض الجوانب النثرية التي تناولت شهر رمضان:
ـ الأحاديث النبوية الشريفة:
قوله صلى الله عليه وسلم: “مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”. رواه البخاري ومسلم.
ـ في الحكم:
إن صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك.
ـ في القصة والرواية:
تناول الأدباء شهر رمضان في قصصهم ورواياتهم وعكسوا الأجواء الروحانية والاجتماعية، ومنهم:
ـ نجيب محفوظ في بعض أعماله مثل حارة المعز وخان الخليلي، صور أجواء رمضان في الحارات الشعبية.
ـ طه حسين أشار في سيرته الذاتية الأيام إلى الأجواء الدينية لرمضان.
ـ إحسان عبد القدوس وغيره من الكتاب رصدوا التحولات النفسية والاجتماعية في رمضان، حيث يتحول بعض الشخصيات إلى الورع والتقوى.
ـ في المقالات والخواطر
. كتب المنفلوطي بأسلوبه الرقيق عن الصيام كوسيلة لتطهير النفس وتقوية الإرادة.
. كتب مصطفى صادق الرافعي في وحي القلم عن “شهر الصبر” وتأثيره في الأخلاق، وكيف يجسد قيمة الزهد والتواضع.
. كتبت العديد من الصحف والمجلات الأدبية القديمة، مثل الرسالة والهلال، فكانت تنشر مقالات أدبية عن أجواء رمضان في العواصم العربية، من القاهرة إلى دمشق وبغداد.
. كتب ابن عربي والرومي وغيرهم عن رمضان من منظور روحاني، حيث كان بالنسبة لهم فرصة للتأمل والسمو الروحي، وكانوا يصفونه بأنه “ربيع القلوب”.
. تحدث الحسن البصري في مواعظه عن أثر رمضان في النفس، وأنه شهر التوبة والمغفرة.
.كتابات بعض الرحالة مثل ابن بطوطة وغيره ممن وصفوا كيف كان رمضان يُحتفى به في المدن التي زاروها، وكيف كان لكل بلد طقوسه الخاصة في الاحتفال بالشهر الكريم.

ولنا هنا أن نعرج إلى الممارسة اللغوية الرمضانية التي أخذت في الظهور والبروز في المجتمع العماني وهي التهلولة، والتي تستحق الوقوف عليها وتناولها بشيء من الإستيضاح والتخصيص.

وختاما
فإن شهر رمضان في الأدب العربي ليس مجرد موضوع ديني، بل هو حالة ثقافية واجتماعية وإنسانية، انعكست في كل أشكال الكتابة الأدبية، فصيغت بقالبي الشعر والنثر كما أسلفنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights