الإثنين: 24 مارس 2025م - العدد رقم 2499
Adsense
مقالات صحفية

نِعَمٌ مُيَسَّرَة.. فَمَاذَا بَعْدُ؟

د. طالب بن خليفة الهطالي

في مسار الحياة، تطرأ على الإنسان لحظات من النعم التي قد تكون في طياتها رحمة، أو تيسيرا، أو حتى اختبارا من الله عز وجل. تلك النعم الميسرة، التي قد تبدو للوهلة الأولى محض عطاءات بلا حساب، وقد تكون بمثابة فرصة للتفكر في كيفية استثمارها واستخدامها بالشكل الأمثل. والسؤال الأهم هو: ماذا بعد هذه النعم؟ وهل نعي تماما ما تعنيه هذه النعم في مسار حياتنا؟ وهل نعكف على شكرها كما ينبغي، أم نغفل عن استثمارها بالشكل الذي يعود علينا بالخير والفائدة؟
لقد أنعم الله علينا بنعمة عظيمة أن وُلِدنا في بيئة إسلامية آمنة ومستقرة، تتسم بالقيم والمبادئ السامية المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ. هذه نعمة تستحق منا التأمل والتقدير، فقد خصنا الله بهذه البيئة التي توفر السلام الداخلي والاستقرار الاجتماعي، وهو ما يفتقده العديد من الناس في أنحاء متفرقة من العالم إذ يُعَدُّ الأمن من أعظم النعم التي منَّ الله بها على الإنسان، ولا سيما الأمان والاستقرار الداخلي الذي يشمل الاستقرار النفسي والاجتماعي كما ورد في القرآن الكريم: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾-[من آية 7، سورة ابراهيم]-؛ مما يبيّن أن الشكر على نعم الله هو سبب في دوام هذه النعم وزيادتها وهذا يوجب علينا شكر الله على نعمة الأمن، التي هي أساس الحياة السعيدة. وقد أكد القرآن الكريم على هذه النعمة حين قال: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾-[سورة قريش، آية:4], حيث يظهر كيف أن الأمن كان سببا في استقرار قريش وازدهارها. وهذا يقودنا أن حفظ الأمن هو أساس الاستقرار والتنمية في أي مجتمع، ولا يمكننا أن نحقق أي تقدم حقيقي إلا إذا كنا نعيش في بيئة آمنة. لذا، من مسؤوليتنا الحفاظ على هذه النعمة من خلال العدل والمساواة والتسامح بين الناسل لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾-[ سورة الحجرات، آية:10]. فمن واجبنا الالتزام بتلك القيم للحفاظ على نعمة الأمن والاستقرار، والحرص على الحفاظ على هذه النعم التي أنعم الله بها علينا.
ومن النعم التي منَّ الله علينا نعمة التعليم، فقد منحنا الفرصة للاستفادة من التعليم في المدارس والجامعات، وفتح الله أمامنا أبواب المعرفة التي تمكننا من الارتقاء بأنفسنا والمساهمة الفاعلة في بناء مجتمعنا هذه النعمة الجليلة تستوجب منا شكر الله عليها من خلال الاستفادة القصوى منها وعدم التفريط فيها، إذ إن العلم هو السبيل الحقيقي للتقدم والنجاح في الدنيا والآخرة، ويأتي دورنا في شكر الله على هذه النعمة عبر السعي المستمر في تحصيل العلم.
والعلم في الإسلام ليس مجرد اختيار شخصي، بل هو واجب ديني وأساس نهضة الأمم وتقدمها. فقد كانت أول كلمة نزلت من الوحي تحمل دعوة إلى القراءة والتعلم قال الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾-[سورة العلق، آية: 1]. هذا التأكيد الإلهي على طلب العلم يدل على أن الإسلام قد أسس مجتمعا معرفيا قائما على التعلم والتطور. وبناءً على هذه الأسس، أكد النبي ﷺ في حديثه الشريف: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنة”- رواه الترمذي. وهذا يربط العلم بالدين ويجعل طلبه ليس فقط من أجل فائدة دنيوية، بل أيضا طوق نجاة في الآخرة.
وفي هذا السياق، يتبين أن التعليم ليس مجرد وسيلة للحصول على وظيفة أو مكاسب مادية، بل هو حجر الزاوية لتطوير الذات وتعزيز القدرات الفكرية، وتقديم خدمة حقيقية للمجتمع. إن التعليم هو الطريق لفهم الحياة بشكل أعمق واتخاذ قرارات مدروسة وكما قال الشاعرة أحمد شوقي:
العلم يرفع بيتا لا عماد لهُ… والجهل يهدم بيتَ العزِّ والشرفِ
وهذا يعكس بوضوح كيف أن العلم هو الدعامة التي ترفع الأمم إلى مصاف التقدم، في حين أن الجهل يؤدي إلى تدهور المجتمعات.
وعليه، فإن مسؤوليتنا تجاه هذه النعمة العظيمة هي أن نكون روادا في السعي وراء المعرفة، وأن نستغل الفرص التعليمية المتاحة لنا في تطوير مهاراتنا وبناء مستقبلنا. ولا نسعى للعلم في الجوانب النظرية، بل أيضا يلزمنا أن تسخره واقعا عملي​ ينعكس على حياتنا اليومية، ويسهم في تقدم وطننا ورفاهية مجتمعنا.
لذا، يعد التعليم استثمارا حقيقيا للفرد والمجتمع، فهو الذي يحقق التنمية المستدامة، ويعزز الاقتصاد، ويحسن جودة الحياة. وبالتالي، فإن الحرص على التعلم المستمر والمساهمة الفعالة في بناء المجتمع هي من أبرز طرق النهوض بالأمم، لأن العلم والعمل هما السبيل الوحيد لتحقيق النمو والتقدم والازدهار والرخاء.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights