2025
Adsense
مقالات صحفية

الملهم

عبدالله الحنشي

شهدتُ مؤخراً مؤتمر عُمان للقيادة والتغيير، والذي كان في الفترة 10-11 ديسمبر 2024م ، حيث كانت الجلسة الأولى للخبير العالمي في مجال القيادة ستيفن كوفي تحت عنوان “الثقة والإلهام”. تطرقت هذه الجلسة إلى معاني القيادة الملهمة وكيف يمكن للقادة بناء الثقة لتحقيق تأثير إيجابي ومستدام. ركز كوفي في حديثه على أهمية الانتقال من القيادة التقليدية بأسلوب “الأمر والسيطرة” إلى قيادة تعتمد على “الثقة والإلهام”، حيث يتمكن القادة من إطلاق العظمة الكامنة داخل كل فرد في فريقهم.

في هذه الجلسة طرح كوفي سؤالاً استوقفني بشدة: “من هو القائد الملهم بالنسبة لك؟”

لم أستطع التفكير سوى في أشخاص أثروا في حياتي بشكل عميق. أولهم كان والدي، هذا الرجل الذي علمنا معنى الكفاح والإصرار، والذي بنى نفسه من لا شيء، رغم أنه كان يمكنه الاعتماد على ما كان متاحاً له. لكنه اختار طريق الاعتماد على النفس وبناء مستقبله بجهده وإصراره. توفي جدي عندما كان والدي في سن صغير، حيث وجد نفسه أمام تحديات الحياة دون سند أبّوي. لكنه لم يستسلم. بدأ العمل مبكراً، وسافر إلى أماكن بعيدة بحثاً عن فرص، وسعى لبناء الثقة بنفسه وبالآخرين. كان والدي مثالاً للإقدام والمثابرة، حيث كان يحاول بكل عزيمة حتى ينجح. لم يكن النجاح مجرد هدف بالنسبة له، بل كان نتيجة طبيعية للالتزام والعمل الجاد.

خلال عملي بوزارة الصحة بمحافظة الوسطى، أثرت بي تجربة العمل تحت قيادة الشيخ أحمد هدية المهري. منذ الأيام الأولى، كانت ثقته هي المحفز الذي بنيت عليه مهاراتي المكتسبة والتعامل اليومي والمهام المنفذة. صقلت مهاراتي بشكلها الإداري الرسمي وتعلمت كيفية التعامل والإدارة والتوثيق وغيرها من المهارات الإدارية المكتسبة. كان لهذه التجربة أثر كبير في تطويري المهني.

وفي المديرية العامة لتقنية المعلومات، كان لعبدالله الرقادي دور كبير في دعمي. كان سنداً لي في كثير من المهام التي قمت بها، ولم يولي جهداً في تقديم النصيحة لي وفتح آفاق التفكير في المشاريع القائمة وغيرها. كان يملك دائماً رؤية واضحة وقدرة على تحليل المشكلات بطرق مبتكرة، مما ساعدني على تطوير خططي وتنفيذها بكفاءة. تعلمت منه أن القيادة ليست فقط في إتمام المهام، بل في التفاعل مع الفريق وبناء بيئة تحفز الإبداع والتطوير المستمر. كان حضوره الدائم وتوجيهاته بمثابة دعم قوي يجعلني أشعر بالثقة والقدرة على تجاوز التحديات.

أما خلال عملي في المشروع الوطني للملف الصحي الموحد، فقد كانت الثقة التي منحني إياها بدر أولاد ثاني، المدير العام الحالي بالمديرية العامة لتقنية المعلومات والصحة الرقمية، حافزاً لتحقيق نجاحات كبيرة. تحت إشرافه، عملت على إيجاد نقلة نوعية في هذا المشروع من ناحية زيادة المستخدمين والخدمات والمؤسسات الصحية. كان يشجعني دائماً على التفكير بعيد المدى وعلى تبني استراتيجيات تهدف إلى تحقيق تأثير واسع ومستدام. كان لتوجيهاته الأثر الكبير في تعزيز قدرتي على القيادة واتخاذ القرارات التي تساهم في تطوير المشروع. كما كان يولي اهتماماً كبيراً لتطوير الفرق العاملة؛ مما خلق بيئة مهنية متميزة تحفز الجميع على الأداء بأفضل صورة.

كما أشار ستيفن كوفي في عرضه، القيادة الملهمة تتطلب رؤية شاملة تُطلق قدرات الأفراد وتحقق نتائج بشكل يعزز من نموهم الشخصي والمهني. القيادة الحقيقية ليست فقط في “ما تفعله” ولكن في “من تكون”، وهي عملية تتطلب الثقة المتبادلة والإلهام المتواصل.

ما تعلمته من هؤلاء القادة ومن أفكار كوفي هو أن الإلهام والثقة لا يأتيان من فراغ، بل هما نتاج العلاقة المتبادلة بين القائد وفريقه. القيادة الملهمة تتجلى في القدرة على التغلب على المصاعب، وفي بناء الثقة سواء بالنفس أو بالآخرين، وفي الإصرار على تحقيق الأهداف مهما كانت العقبات.

أثرت محاضرة ستيفن كوفي فيّ بعمق، لكنها أيضاً أكدت لي أن الإلهام الحقيقي يمكن أن نجده في حياتنا اليومية. بالنسبة لي، هؤلاء القادة وغيرهم، كلٌ بطريقته الخاصة، ألهموني لأكون أفضل نسخة من نفسي. في كل خطوة أخطوها، أستذكر كلماتهم وأفعالهم التي شكلت نهجي في الحياة.

إن الإلهام والثقة هما أساس كل نجاح، وهذه القيم تعلمتها من قادة ملهمين أثروا في مسيرتي المهنية والشخصية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights