صفحات من عبق الماضي (٤) دروس وعبر
خلفان بن ناصر الرواحي
لا شك أن كل لحظة عشناها في حياتنا اليومية هي مرحلة مهمة رغم قساوتها على الإنسان في كثير من الأحيان؛ لذلك ترى كثيراً منا لا يود استحضارها؛ لما تحدثه في النفس البشرية من ألم بسبب عدم وجود أمل لعودتها مرة أخرى؛ لأنها أصبحت من الزمن الماضي. ومما لا شكَّ فيه أن الحياة هي ليست لحظة عابرة أو التقوقع والعيش في الماضي والتغني به أو التباكي عليه، وهي ليست العيش بما هو متوقع حدوثه في المستقبل، بل إنّ الحياة هي الوقت الحاضر الذي نحن فيه وواقعنا الحي بنظرة التفاؤل؛ ولذلك علينا أن نعيش يومنا بهذه الحياة بحلوها ونسيان مرها، ونحاول جاهدين أن نظهر قدرتنا وتفانينا لأي شيء نرغب في تحقيقه، ولنتعلم من الماضي ودروسه وعبره.
وفي هذه الصفحة سوف نعرض لكم مجموعة من صور التعامل الاجتماعي، والحكم التي ينبغي علينا أن نضعها بعين الاعتبار في حياتنا اليومية، والتي تعلمناها من خلال تعايشنا مع أسرنا والمجتمع في تلك العقبة الماضية التي تطرقنا فيها عن مرحلة الطفولة ومرحلة الفتوة والشباب وما بعدها، وعن بعض المناسبات الاجتماعية، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر؛ بعض الأمثال الشعبية الجميلة التي كنا نسمعها دائماً من الأجداد والآباء والأمهات ومن بعض أهل الحي والمجتمع، وكذلك بعض الكلمات والتوجيهات التي كنا نتلقاها منهم في بعض المواقف في التعامل والسلوك الإنساني.
إن من تلك الأمثال الشعبية التي نسوقها لكم على سبيل المثال، قولهم؛ “ذخر دك ولا لك”، والذي يعني بالفصحى “حافظ على أقل جزء مما تملك من أرض أو مال أخضر وإن أعطيت مليون ريال”، والمثل الآخر الذي يتداول أيضاً دائماً لنفس المعنى يقول؛ “ضم قرشك الأبيض ليومك الأسود”. فلو تأملنا في هذين المثلين، لوجدنا فيهما ما يكفي للاسترشاد بهما لأهمية الادخار والمحافظة على التوازن في الحياة وعدم التبذير، والاهتمام بالأرض والزراعة وغيرها من الأمور المهمة المتعلقة بالحياة اليومية للإنسان والبيئة والمجتمعات، والتحسب لظروف الحياة وتقلباتها.
بالإضافة إلى ذلك فإن التوجيهات والإرشادات التي تعلمناها في تلك الفترة، لو تأملناها لوجدنا أنفسنا بحاجة إليها أكثر مما ينبغي علينا فعله والقيام به، من حيث ما يمكن نقله للأجيال الجديدة التي تعيش في عالم متقلب الأحوال، ويسوده الكثير من التحديات والصعوبات. ونذكر هنا على سبيل المثال أيضاً لا الحصر، عندما كنا نجتمع على مائدة الطعام؛ حيث كان والدانا يراقبوننا في سلوكنا وتصرفاتنا، مع حرصهم الشديد على عدم التبذير واستشعار النعمة التي كنا نعيشها رغم قلتها في ذلك الوقت، فعند ملاحظتهم تساقط حبات من الرز أو أي طعام آخر على الأرض أو المفرش المتوفر في ذلك الزمان، فأتذكر كلمة والدي رحمه الله عندما يقول لي: “يا ولدي أخاف عليك أن تكون مبذرا”، وكنت لا أفقه ما الذي يعنيه ذلك الكلام، ولكنني بعد ذلك عرفت المغزى منه بعد معايشتي للواقع والاستماع إلى نصائح الآباء والأمهات والأجداد وغيرهم ممن كنا نتعايش معهم في حياة البساطة والود والمحبة والوئام. لقد كنت وما زلت أذكر ذلك التوجيه وأطبقه في حياتي وأوجه به أبنائي ليشعروا بالنعمة وشكرها واستحضار كيف يعيش الآخرون ممن لا يكاد يجدون ما يسد به رمق الحياة اليومية.
فلو بحرنا في صفحات ذلك الماضي لوجدنا الكثير والكثير من صفحات الحكمة والعبر التي يمكننا أن نستفيد منها جميعاً حاضراً ومستقبلا، وننقل ذاكرتنا لتوجيه النشء والأجيال الجديدة والقادمة، والاهتمام بكل شؤون الحياة اليومية لنستفيد منها بشكل أفضل.
لا يتسع المجال لذكر كل الصفحات والدروس المستفادة والعبر، ولكننا انتقينا لكم ما ذكرنا على سبيل المثال والاختصار.
ونختم هذه الصفحات من عبق الماضي بهذه الكلمات التي تذكرتها وكتبتها ضمن همساتي في الحياة، والتي تقول:
“في كل إشراقة يوم جديد هناك بصيص أمل يفتح لنا آفاقًا واسعة أمام كل تحديات الحياة؛ فما أجمل أن نستيقظ على زقزقة العصافير وهي تغرد لنا بأجمل الأناشيد، وتوقظنا لنرى العالم المضيء من حولنا، وتحيي بداخلنا روح العزيمة والإصرار؛ لنجدد الأمل لحياة أفضل من أمسنا الماضي!”