بكاء الفجر.. وداعا الحاجة (كاذية)
سميحة الحوسنية
أزاح الليل عباءته الحالكة عن جسده المنهك، وقد راودته الكثير من الأحلام المخيفة فتراه ينام تارة ويفيق تارة أخرى.. ينتظر الفجر ليبدأ يوما جديدا.
أطل الفجر، فكان حزينا مثقلا مهموما على حارتي التي كانت تدعو أن تنجو الحاجة (كاذية) من وعكتها الصحية التي تمر بها والتي جعلتها في رحلة ذهاب وإياب بسيارة الإسعاف إلى المستشفى، ذهبت لزيارتها في المنزل والتقطت معها بعض الصور، وقالت في دعابة لي:(من يطلعن الصور احتفظ فيهن وبضمهن معي وايد فرحانة إني شفتك)، واحتسينا كوب الشاي معا ونحن نتبادل أطراف الحديث، فكانت طيلة الوقت مبتسمة في أحاديثها، فمنزلها لايخلو من الزوار، كلما ذهبت لرؤيتها الكل يسأل عن صحتها وخاصة أنها أصيبت ببعض الجلطات المتتالية، وقد تعود بنا الذاكرة ل(أم سالم).. فنستذكر أيامها الجميلة وقد عرفت بحسن اختيارها للملابس والعطور وأدوات الزينة، فكان موعدها كل فجر وقد أحدثت أصوات الأبواق ضجيجا تناديها فتفيق الحارة على تلك الأصوات، فيعلم الجميع أنها تستعد لرحلة (دبي).. لتعود محملة بالأطياب والبضاعة المتنوعة، وكل ما تحتاجه نساء الحارة في ذلك الوقت، الكل في انتظارها لاقتناء الجديد، حيث كانت تتفنن في انتقائها للكماليات، حتى تعج الغرفة المخصصة للبيع بالنساء والأطفال وما تحمله من (كاريزما) جميلة تتسم بها روحها الطيبة، فكان الدفتر المخصص لرصد الديون والذي كان يسمى دفتر (الصبر) تكاد أرقامه تخرج من السطور لكثرة الأسماء التي يتعسر عليها الدفع في ذلك الوقت ليكون الموعد عند استلام المعاش، فكانت سهلة لينة في التعامل، وظلت سنوات عديدة تمارس تلك التجارة، فهي – رحمها الله – أرملة وتسعى لرزقها الطيب الحلال، كانت محطة جميلة في حياتها المترفة بالأحداث، فمنزلها الكائن في حارتي مطل على البحر، وما أجمل صباحاتها عندما يقصدها المارة للسوق للسلام أو لتوصيتها ببعض الكماليات عند ذهابها ل(دبي).. فكانت ابتسامتها وترحيبها للجميع وشخصيتها الحازمة والقوية من الصفات التي جعلتها من النساء اللاتي لديهن القدرة على حل بعض المشاكل التي قد تعاني منها بعض الشخصيات في الحارة، حيث كانت الحياة أكبر معلم لها واكسبتها قوة لتكمل المشوار في تربية أبنائها وتحمل الكثير.
(أم سالم) ذاكرة مترفة بجمال الأحاديث، ستظل في قلوبنا – رحمها الله – وأسكنها فسيح جناته ولروحها السلام.