صفحات من عبق الماضي (٣) المناسبات الاجتماعية
خلفان بن ناصر الرواحي
لقد تطرقنا في الصفحات السابقة عن مرحلة الطفولة، ومرحلة الفتوة والشباب وما بعدها، وسبحت بنا ذكريات الماضي لنتذكر بعض المناسبات الاجتماعية السائدة في ذلك الزمن، وهي بحق تستحق الذكر والتذكير بها؛ وذلك لما لها من أهمية كبيرة ودور مهم في الحياة الاجتماعية والإنسانية من وجهة نظرنا.
إن من تلك العادات الاجتماعية التي نتطرق لها هنا في هذه الصفحة؛ هي مناسبات قراءة القرآن الكريم، والسيرة النبوية الشريفة على صاحبها عليه أفضل الصلاة والتسليم، فتلك المناسبات ما زالت راسخة في النفوس والأذهان؛ حيث تجد الناس رغم قلة ما في اليد لديهم، وصعوبة الحياة وقلة الدخل؛ إلا أنهم لا يتركون التصدق بما تجود به النفوس لأهل الحي الذي يعيشون فيه وربما يتعدى ذلك للقرى المجاورة، وعادة ما تكون عند نية التصدق عن نذر معين كان يرتجيه وتحقق له بفضل الله تعالى، ويصاحب ذلك قراءة القرآن الكريم، ثم يتبعونه بتقديم وجبة بسيطة دون تكلف؛ سواء كانت في الصباح الباكر أو الظهر لتكون وجبة إفطار أو غداء. هذا بالنسبة لما تسمى لديهم ب ” الصدقة، أو قراءة الختمة”.
أما بالنسبة لقراءة السيرة النبوية فقد كانت في شهر ربيع الأول من كل عام بغض النظر عن التاريخ المتعارف عليه؛ وهو الثاني عشر من ربيع الأول. ويتم قراءة كتاب ما يعرف ب” البرزنجي” نسبة إلى مؤلف الكتاب وهو، الإمام السيد جعفر بن حسن بن عبد الكريم بن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني المدني الشافعي. ولد في شهر شعبان 1128 هـ / 1716 م في مدينة المدينة المنورة وتوفي ودفن فيها، وهذا الكتاب على الرغم مما فيه من أقاويل كثيرة لما يحتويه من بعض الانتقادات المكتوبة في السيرة النبوية الشريفة من مبالغة لبعض ما جاء فيه؛ فإنه من وجهة نظرنا يبقى خالدا في الذاكرة من حيث المضمون والمناسبة الاجتماعية المصاحبة للحدث، للاحتفال بالمولد النبوي الشريف؛ حيث يتبع تلك القراءة من هذا الكتاب ضيافة الحضور ببعض الحلوى العُمانية والقهوة العربية.
لقد اخترنا تلك المناسبتين فقط رغم وجود عدة مناسبات اجتماعية مختلفة أخرى؛ وذلك لكون هاتين المناسبتين تمثلان الركيزة والقيمة الجمالية في المجتمع؛ حيث تكاتف الجميع في المشاركة في الدعوة لها، والتحضير وخدمة الضيوف، واللقاء الأخوي المشترك الذي يقوي العلاقة بين أفراد المجتمع، ومراعاة حقوق الأخوة، والبذل والعطاء ولو باليسير دون تكلف، فإنها فيما بعد أخذت منعطفا آخر، ساد فيها الاهتمام بالمظاهر والترف والتكلف الزائد اللامحدود؛ ولذلك فقدت قيمتها المعنوية العالية لدى المجتمع، وتلاشت مع مرور الوقت، وأصبحت من صفحات الماضي، نتيجة انشغال الناس بأمور الحياة العصرية المختلفة، وفقدها لهويتها الحقيقية التي كانت موجودة، علما بأن في كلتا المناسبتين يتم دعوة أهل القرية، وربما بعض القرى المجاورة للحضور؛ فهل يا ترى سوف تعود هذه المناسبات مرة أخرى ويتم إحياؤها دون تكلف، أو أنها تبقى من صفحات الماضي وذكرياته؟!
للموضوع تتمة…