فؤاد آلبوسعيدي
نعيش ونرى دروس كثيرة تمرّ علينا، نعيش وتعطينا الحياة أمور قد تكون جديدة لم تعبر علينا من قبل، نعيش وتتكرّر أحداث عشناها من قبل ورغما ًعن ما نريد تحدث نفس الوقائع مرة أخرى.
أيامنا أصبحت صفوف دراسية نتذاكى فنستفيد منها ونتغابى فتفسد وتُعطِّل مساراتنا ومن ثمّ يستفيد غيرنا ونحن مُسمّرين تارةً ومُصفّقين تارةً أخرى دون أن نُحدِث ردّات فعلٍ عكسيةٍ.
الحياة حكم ومواعظ كثيرة لم تحدث إلا بسبب مواقف حدثت وأثَّـرت علينا سلباً حيناً وإيجاباً في أحايين أخرى، لقد أصبحنا نعيش ونرى الدوائر تدور على بعض الناس، نحيا ويحدث أن نسمع ونرى إنكسار وتحطّم وتشرذم العلاقات الإجتماعية الأسرية منها وكذلك العملية، وللأسف كثيراً ما نفقد كمية هائلة من المحبة والرفقة الجميلة التي كنّا نحصل عليها من أعزِّ صداقاتنا وهي وصلاتٍ كانت كنزاً كنّا نعتقد إيماناً بأنّه لن يفنى أبداً.
الحياة أصبحت مصطلحات ومفاهيم وإختراعات جديدة أصبحت تؤثر في يومياتنا وعلاقاتنا بيننا وبين الآخرين، من المصطلحات والعبارات المستجدة التي علمناها مؤخراً (التائهون في الأرض) وهي حقيقةً جملةً جاءت ضمن حدث سياسي عابر ربّما كان لزاماً على البعض أن يبحث عن أسباب قولها ومعرفة موقعها من الإعراب الحدثيّ لها، فشرح المغزى من تلك الجملة قد يطول وقد يسبب حساسيات لا البعيد ولا القريب قد يحبّها.
في نفس منظور مصطلح (التائهون في الأرض) هناك وجود لجملة مماثلة..وهي وصف بعض الفئات والأفراد بـ(التائهون في المجتمع)، وهذه الفئة المتصنِّعة بالنّبل والقيم الأسرية والمجتمعية تحاول أن تَخلُقَ كياناً وزوايا سعيدة على حسب أهوائهم وإيحاءاتهم الفردية، فنجد البعض منهم يعمل على تجميع من يحبّون في دائرة ومحيط مجتمعيٍّ جديد لا يدخله سوى من يحبّونهم، فيتناسون الأسس التي قامت عليها مجتمعاتنا الأسرية العربية القائمة على المحبة والتسامح والتواضع.
من الأمثلة التي تأتي وتذهب وتعود دائماً في قمّة رأسي قيام أحدهم عند وصوله إلى قمة الهرم الوظيفي بنزع عبائته الفطرية التي تربى عليها فيخلع ما كان يستره من أخلاق وخصال وربما علاقات أسرية وصداقات متوطّدة منذ الأزل في أعماق دمه وتغلغلت داخل شرايينه، غريب أن نواجه أحدهم وقد دأب على تجاهل من كان يعرفهم والأغرب أن نراه قد قام بتسفيه الواجب الإجتماعي من مناسباتِ أفراحٍ أو أتراحٍ وكأنها لا تليق بمستواه ووجاهته الإجتماعية الجديدة أو مقامه الوظيفي المُستجَدّ.
من بين الصّور الأكثر تحفيزاً لذاكرتي أن يقوم أحداً من من فئة التائهين في المجتمع بإنتقاء المناسبات التي يحضرها سواءاً أكانت دعوة كريمة على مائدة الطعام أم كانت حدث حزين كزيارة المرضى والمشاركة في واجبات دفن الموتى وتقديم التعازي، فنجدهم يتسابقون إلى هذه الأحداث على حسب القيمة والهالة الإجتماعية المالية لأصحاب تلك الأحداث (أفراحاً وأتراحاً)، أمّا إن كانت لشخص ليس ذي قيمة (فقير) ولا يملكون مصلحة معه فإنّنا سنراهم يتجاهلون ويتكاسلون بل وقد يخلقون الأعذار تلو الأعذار لعدم قيامهم بالواجب.
الكلام في هذا الشأن (التائهون في المجتمع) كثير وقد نكتب صحفاً ومجلّدات كثيرة لنصف ما وصل الحال إلى البعض منهم وربما لن نستطيع أن ننصف في سطورنا ما وصلت إليه أحوال بعضهم التي تجعلنا متأسفين لعلاقات كانت تجمعهم ببقية المجتمع، فقط عليهم أن يتذكروا ما جاء في محكم كتابه عزّوجل..
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}،
وكذلك حديث رسوله الكريم..(لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى ).