غياب حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، في محطات الوقود والأماكن العامة!
حمدان بن هاشل العدوي
عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
تعتبر حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان التي تضمن الكرامة والمساواة للجميع، ومع توقيع سلطنة عُمان على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في 17 مارس 2008، ثم المصادقة عليها في 6 يناير 2009 م، وبعد مرور أكثر من عقد على هذه الخطوة، لا تزال بعض الخدمات الأساسية، مثل دورات المياه المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة، تعاني من نقص ملحوظ في محطات الوقود والمتنزهات والأسواق، مما يشكل تحديًا كبيرًا لهم، وخاصة النساء.
معاناة يومية مستمرة:
عندما يقرر شخص من ذوي الإعاقة السفر من ولاية إلى أخرى، قد تكون إحدى أكبر العقبات التي يواجهها هي عدم وجود دورات مياه مخصصة ومؤهلة على طول الطريق، في كثير من الأحيان، يجد الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم مضطرين للتعامل مع مرافق غير مهيأة، حيث تكون الأبواب ضيقة جدًا بحيث لا يمكن للكرسي المتحرك الدخول، أو أن تصميم دورة المياه لا يسمح لهم باستخدامها بشكل مستقل وبكرامة.
تتفاقم هذه المشكلة بالنسبة للنساء ذوات الإعاقة، حيث إن حاجتهن إلى الخصوصية والراحة أكبر؛ مما يزيد من شعورهن بالإحباط والعجز أثناء التنقل لمسافات طويلة، وفي حالات نادرة يتم العثور على دورة مياه مخصصة، فإنها غالبًا ما تكون غير صالحة للاستخدام بسبب الإهمال أو التصميم غير المناسب.
غياب التخطيط الشامل، وآلية المتابعة للقرارات الصادرة:
تُظهر هذه المعاناة غياب التخطيط الشامل وآلية المتابعة والرقابة الذي يراعي ويحفظ احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم البنية التحتية، فمحطات الوقود، التي تُعتبر مرافق حيوية على الطرق السريعة، لا تزال تفتقر إلى دورات مياه مخصصة ومؤهلة لهذه الفئة، وإذا كان هذا الحال في محطات الوقود، فإن الوضع لا يختلف كثيرًا في المتنزهات العامة والأسواق التجارية، حيث نجد نقصًا حادًا في المرافق المؤهلة.
حقاً أنه من المؤسف أن تكون هذه المشكلة قائمة في بلدنا، في الوقت الذي قطعت سلطنة عُمان شوطًا كبيرًا في مجالات التنمية والبنية التحتية، وتُعرف بالتزامها بتوفير حياة كريمة لمواطنيها والمقيمين على أراضيها.
الحقوق القانونية والالتزامات الدولية:
تُلزم اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الدول الموقعة عليها بضمان الوصول إلى المرافق والخدمات العامة دون تمييز، وتنص المادة التاسعة من الاتفاقية على ضرورة اتخاذ التدابير المناسبة لتحديد وإزالة العوائق التي تعترض وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى البيئة المادية، بما في ذلك المباني ودورات المياه.
وبالرغم من التزام السلطنة بهذه الاتفاقية، إلا أن التطبيق العملي على أرض الواقع لا يزال يعاني من فجوات واضحة، ويثير هذا الوضع تساؤلات حول مدى جدية الجهات المعنية في توفير الاحتياجات الأساسية لهذه الفئة.
الحلول المقترحة:
1. إلزام المكاتب الهندسيّة والاستشاريّة ب (قرار البلدية + قرار وزارة البلديات):
يجب على الجهات المعنيّة، بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة البلديات، الالتزام بالمعايير المتعلقة بتصاميم دورات المياه في جميع المرافق العامة، بما في ذلك محطات تعبئة الوقود والمتنزهات والأسواق، بناءً على رسالة وزارة البلديات (رقم: و ب ق ب/م و/9/17/53/2000 بتاريخ 15 يوليو 2000م)، والقرار الوزاري (رقم 48/2000م)، وكذلك قرار (بلدية مسقط رقم 6/2000)، ويجب أن تشمل هذه المعايير: –
– أبواب واسعة تسمح بدخول الكراسي المتحركة.
– مساحات كافية داخل دورات المياه لسهولة الحركة.
– تجهيزات مثل الدرابزين والمراحيض المخصصة.
– أنظمة إغلاق أبواب يمكن تشغيلها بسهولة.
2. إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في التخطيط:
لا يمكن تحقيق تحسين حقيقي دون إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في عملية تصميم وتنفيذ المرافق، فهم الأقدر على تحديد احتياجاتهم وتقديم ملاحظات بنّاءة لضمان أن تكون المرافق عملية وملائمة لهم.
3. تخصيص ميزانيات واضحة لتأهيل المرافق:
يتطلب تحسين البنية التحتية استثمارات مالية واضحة ومستمرة، لذا، يجب تخصيص ميزانيات محددة لتأهيل المرافق العامة الخاصة بهذه الفئة، مع متابعة دورية لضمان الالتزام بالمعايير المطلوبة.
4. زيادة الوعي المجتمعي:
يجب أن تتبنى الجهات الإعلامية حملة توعوية لزيادة الوعي بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وأهمية توفير بيئة مهيأة لهم، كما يمكن أن تسهم هذه الحملات في تعزيز التعاطف المجتمعي وتشجيع المبادرات الفردية والمؤسسية لدعم هذه الفئة.
5. تشديد الرقابة والمساءلة:
يجب أن تكون هناك رقابة صارمة على الجهات التي لا تلتزم بتوفير المرافق المخصصة لذوي الإعاقة، مع فرض غرامات وعقوبات على المخالفين. فإلى متى سيستمر الإهمال؟
الأشخاص ذوو الإعاقة ليسوا أقل شأنًا من بقية أفراد المجتمع، بل هم جزء أصيل منه، ولهم الحق في الحصول على الخدمات التي تضمن لهم حياة كريمة ومستقلة، إن استمرار الحديث عن هذه المشكلة دون حلول ملموسة يعكس قصورًا كبيرًا في الالتزام بالحقوق الإنسانية والتنموية.
لقد آن الأوان لتحويل الأقوال إلى أفعال، والعمل على توفير دورات مياه مخصصة ومؤهلة في جميع المرافق العامة، بما يضمن أن تكون سلطنة عُمان نموذجًا يحتذى به في احترام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فالمجتمع الذي يهتم بجميع أفراده دون استثناء هو المجتمع الذي يحقق التنمية الحقيقية.