رحلة الإلهام والتحدي نحو النجاح
غزلان بنت علي البلوشية
يُعتبر “نيك فويجيك” أحد أبرز المتحدثين التحفيزيين على مستوى العالم، وذلك بفضل قدرته الفائقة على تحويل التحديات الكبيرة إلى مصادر قوة وإلهام. وُلد “نيك” بدون أطراف، ومع ذلك استطاع أن يتغلب على القيود الجسدية والاجتماعية ليصبح رمزًا للأمل والتحدي. تجسد قصته حقيقة أن التحديات ليست سوى محطات نحو الإنجاز، وأن الإنسان قادر على صناعة مستقبله بعيدًا عن قيود الظروف.
في محاضراته، يستند “نيك فويجيك” إلى قوى داخلية عميقة تمكنه من إلهام الآخرين. فهو لا يقتصر في رسالته على الحديث عن النجاح الفردي فحسب، بل يسعى إلى تحفيز الجمهور على اكتشاف قوتهم الداخلية وتحديد أهدافهم الشخصية في الحياة. يركز “نيك” على أهمية القدرة على تحديد “الهدف” في الحياة، ويُذكرنا بأن القوة التي تمنح الحياة معناها هي القوة التي نكتسبها من خلال الإيمان بقدراتنا.
وفي محاضرة شهيرة، طرح “نيك فويجيك” ثلاثة أسئلة حاسمة، تعتبر في جوهرها دعوة للتفكير العميق والتأمل في الذات وهي:
1. من أنت، وما هي قيمتك في الحياة؟
هذا السؤال يعيدنا إلى فلسفة الفيلسوف الفرنسي “رينيه ديكارت”: (أنا أفكر، إذًا أنا موجود) . في عالم يتسم بتسارع الأحداث والتغيرات، يتساءل “فويجيك”: كيف نعرف أنفسنا؟ وكيف نُحدد قيمتنا وسط تحديات الحياة؟ فالإجابة على هذا السؤال تتطلب منا التفكر في دورنا الحقيقي في هذا العالم، وكيف نُساهم في تغيير من حولنا. عالم النفس “كارل يونغ” أكد أن الإنسان يحتاج إلى (الوعي بذاته) ليتمكن من تحديد هويته الحقيقية وتقديم أفضل ما لديه.
من أنت، وما هي قيمتك في الحياة؟
عندما نطرح هذا السؤال، نعود إلى أعمق الأسئلة الوجودية التي حملها الفلاسفة عبر العصور، ولكن لا يمكننا أن نغفل عن الفكرة التي طرحها الفيلسوف الفرنسي “رينيه ديكارت”: (أنا أفكر، إذًا أنا موجود) . من خلال هذه العبارة المبدعة، يفتح “ديكارت” لنا الباب للتفكير في الذات كوجود مستقل عن أي ظروف، ويجعلنا نعي أن أول خطوة نحو فهم قيمتنا في الحياة تبدأ من الوعي الكامل بوجودنا، ووعي أفكارنا، وكيف يمكن أن تحدد هذه الأفكار مصيرنا.
“نيك فويجيك”، الذي وُلد بلا أطراف، يقدم لنا نموذجًا حيًا لهذا السؤال. رغم التحديات الجسدية التي لا يمكن تجاهلها، إلا أن “نيك” بقدرته على التفكير العميق حول نفسه، تمكن من بناء حياة مليئة بالقوة والإلهام. من خلال حديثه، يدعونا للتساؤل: كيف نعرف أنفسنا؟ هل نحن مجرد انعكاس لما يتوقعه منا الآخرون، أم أننا خُلِقنا لكي نكون جزءاً من تغيير العالم؟ ربما تكون الإجابة متعلقة بتلك اللحظات الصادقة التي نجد فيها أنفسنا في وسط الألم أو التحديات، حينما نلتقط خيطًا من الأمل وسط الظلام ونقرر أن نكون نحن، دون قيود أو استسلام.
إذا نظرنا إلى تجاربنا اليومية، نجد أن العديد منا يعيشون في حالة من الإزدواجية، بين من هم فعلاً وبين ما يُتوقع منهم. كل يوم يتنقل بين الأدوار الإجتماعية والمهنية والشخصية، قد ننسى أحياناً من نكون حقًا وما الذي يعطينا المعنى في هذا العالم. في هذه اللحظات، علينا أن نعود إلى الأساس، إلى الوعي بذاتنا، كما أشار عالم النفس “كارل يونغ”. فالتعرف على أنفسنا هو بداية الطريق. وليس هذا فحسب، بل إن الوعي بذاتنا يمنحنا القوة الحقيقية لتحديد هويتنا؛ أن نختار بأنفسنا من نكون، وكيف نريد أن نؤثر في الآخرين.
التجارب الواقعية حولنا تُظهر أن الكثيرين، رغم مرورهم بتحديات جسيمة، لا يستسلمون للظروف. الأشخاص الذين قرروا أن يضعوا في أولوياتهم اكتشاف قيمتهم، هم أولئك الذين يحققون تغييراً حقيقياً. فمثلاً، أولئك الذين يواجهون معركة ضد مرض عضال، يكتشفون قيمة الحياة عندما يختارون أن يتركوا أثراً طيباً في العالم من حولهم. وكذلك الحال مع أولئك الذين نشأوا في بيئات فقيرة، فتحدوا كل الصعاب ليصبحوا روادًا في مجالاتهم، حاملين معهم رسائل قوية حول الإرادة والتصميم.
في رأيي، إن التحديات التي تواجهنا هي التي تبرز قيمتنا الحقيقية. قد لا نستطيع التحكم في الأحداث التي تحدث لنا، ولكننا نملك القوة على تحديد كيف نواجهها. الحياة ليست حول انتظار الفرص، بل عن اكتشاف القوة التي تكمن داخلنا، والقدرة على تغيير مسارنا حينما ندرك تمامًا من نحن. نحن من نحدد قيمتنا، من خلال أفعالنا، وعلاقاتنا، والأثر الذي نتركه في حياة الآخرين. لذا، دعونا لا ننتظر لحظات معينة لنعرف من نحن، بل لنعمل على فهم أنفسنا في كل لحظة، على أن نكون دائمًا أفضل نسخة من أنفسنا.
2. ما هو هدفك؟
يُعتبر هذا السؤال من أعمق الأسئلة التي يمكن أن يطرحها الإنسان على نفسه، إذ يحمل في طياته معنى لا يقتصر فقط على تحقيق النجاح المادي، بل يتجاوز ذلك ليصل إلى الغاية الكبرى التي تمنح حياتنا معنى وهدفًا أسمى. إن الحياة ليست مجرد سلسلة من الإنجازات الظاهرة، بل هي رحلة نحو تحقيق سلام داخلي، نحو السعي لتحقيق التوازن بين الطموحات الشخصية والمساهمة في تحسين المجتمع.
الفيلسوف “أرسطو”، في تعاليمه، تحدث عن أهمية الفضيلة والعيش وفقًا لـ (الغاية العليا). بالنسبة له، الحياة المثلى ليست مجرد تحقيق المكاسب المادية، بل هي حياة مليئة بالقيم الإنسانية، حيث نجد السعادة في تحقيق التوازن بين ما نريد وما نحتاج، بين ما نطمح إليه وبين ما نقدمه من نفع للآخرين. وفي هذا الإطار، يصبح الهدف الحقيقي في الحياة هو البحث عن تلك الغاية التي تلتقي فيها مصالحنا الشخصية مع رغبتنا في إحداث فرق حقيقي في المجتمع.
“نيك فويجيك”، الذي لا يزال يلهم الملايين حول العالم، يوجهنا نحو التفكير العميق في هدفنا. فهو الذي وُلد بلا أطراف، لكنه وجد هدفًا أعظم من مجرد التكيف مع الحياة أو تجاوز التحديات. هدفه كان أكبر من ذلك: كان في الإلهام، في تغيير حياة الآخرين من خلال قصته. “نيك” يعطينا درسًا في كيفية تحويل الصعاب إلى قوة دافعة نحو النجاح المستدام. من خلال محاضراته، يعلمنا أن الهدف ليس فقط في الوصول إلى القمة المادية، بل في الرحلة ذاتها، في التأثير الذي نتركه في حياة من حولنا.
التجارب الواقعية، في شتى المجالات، تؤكد أن الهدف العميق هو الذي يمنحنا الاستمرارية في مواجهة التحديات. كما نرى في قصص الأشخاص الذين تمكنوا من تحويل آلامهم إلى نجاحات، مثل أولئك الذين نشأوا في ظروف صعبة، ولكنهم أصبحوا رواداً في مجالاتهم، لم يكن هدفهم مجرد النجاح الشخصي، بل كان لديهم رؤية أوسع: إحداث تأثير إيجابي في العالم، وتحقيق تطور مستدام للأجيال القادمة.
إن السؤال عن الهدف ليس مجرد استفسار عن خطط أو طموحات، بل هو دعوة للبحث في جوهر الحياة، في معانيها العميقة. الهدف ليس شيء يُنتظر أن يتحقق، بل هو عملية مستمرة من النمو والتعلم والمساهمة. وبالنسبة للعديد من الناجحين، لا يتوقف الهدف عند إنجاز معين، بل يستمر في التحول مع مرور الوقت، مدفوعًا برغبة في تقديم المزيد، في تحسين العالم، وفي التعايش بسلام داخلي.
في رأيي، إن هدف الحياة ليس شيء ثابت أو ثابت في الزمن، بل هو شيء يتغير مع نمو الإنسان وتطور رؤيته لذاته ولعالمه. لكننا نصل إلى الهدف الأسمى عندما نتحد مع قيمنا الداخلية، ونعمل من أجل تحسين أنفسنا والمجتمع في آن واحد. الحياة ليست عن الوصول إلى نقطة معينة، بل هي عن أن نسعى دائمًا نحو الأفضل، وأن نجعل من كل لحظة فرصة لتحقيق هدف أكبر من الذات، هدف يترك أثرًا دائمًا في حياة من حولنا.
٣.ما هو قدرك؟
سؤال: (ما هو قدرك؟)
هو دعوة للتفكير العميق في القدرة الإنسانية على تشكيل مصيرنا، وعلى اتخاذ القرارات التي تحدد مسار حياتنا. “نيك فويجيك”، الذي وُلد بدون أطراف، يطرح هذا السؤال ليشجعنا على تحدي المفاهيم التقليدية حول القدر والمصير. في نظره، لا يوجد شيء اسمه (حكم قسري) على الحياة؛ بل أن القدر هو نتيجة لإختياراتنا، وكيفية تصرفنا حيال الظروف التي نواجهها.
هذا المفهوم يلتقي مع الفيلسوف الألماني “فريدريك نيتشه” الذي تحدث عن “إرادة القوة”، معتبراً أن الإنسان يمتلك القوة الداخلية لتحديد مستقبله وفقًا لاختياراته الخاصة. “نيتشه” كان يؤمن أن الإنسان الذي يملك القوة الداخلية والإرادة القوية يمكنه أن يشكل قدره بعيدًا عن أي تأثيرات خارجية، وأنه لا يجب أن يكون رهينًا للظروف أو الصدف. ومن هنا يأتي الدور الكبير للفرد في خلق مصيره بيديه، من خلال التفاعل الفعال مع الحياة، وإعطاء قيمة لكل لحظة يمر بها.
التجربة الواقعية تؤكد هذا المفهوم بوضوح. كثير من الأشخاص الذين نجحوا في التغلب على تحديات حياتية كبيرة، سواء كانت مادية أو نفسية، كانوا يؤمنون بقدرتهم على تغيير قدرهم. هذا الإيمان بالقوة الذاتية هو ما دفعهم للابتكار، والبحث عن حلول خارج الصندوق، والنهوض في كل مرة كانت الأرض تتزعزع تحت أقدامهم. نجد أمثلة حية في العالم على هؤلاء الأشخاص الذين تحولوا من ضحايا للظروف إلى أبطال للإرادة، مثل الرياضيين الذين تغلبوا على إعاقات جسدية ليصبحوا مصدر إلهام، أو رائدات الأعمال اللواتي بدأوا من لا شيء ليبنوا إمبراطورياتهم.
قد يبدو للوهلة الأولى أن الظروف قد تحدد قدرنا، وأننا مربوطون بخيوط لا يمكننا قطعها، ولكن الحقيقة أن القدر لا يُصنع في مكان آخر بل يُصنع في لحظات اتخاذ القرار. الإرادة الذاتية هي التي تحدد إذا ما كنا سنقبل التحديات كما هي أو سنسعى لتغييرها. القدرة على التكيف مع الصعاب والبحث عن الفرص في الأوقات الصعبة، هي التي تصنع الفارق بين من ينجح ومن يستسلم. في هذا السياق، نحن مسؤولون عن توجيه حياتنا، وإبداع الحلول، واختيار الطريق الذي يناسبنا، ولا شيء يمكن أن يعوقنا إن كنا نؤمن بقدرتنا على التغيير.
في رأي الكاتبة، إن القدرة على تحديد القدر هي بمثابة المحرك الأساسي لنمو الإنسان وتطوره. في رأيي، لا يوجد شيء أكثر قوة من إيماننا بقدرتنا على تحقيق التغيير. لكن هذا الإيمان لا يكون سطحياً، بل يتطلب من الشخص أن يملك الوعي العميق بأن لكل قرار يتخذه تأثيرًا على مستقبله. قد لا نتمكن دائماً من التحكم في الظروف، لكننا بالتأكيد قادرون على التحكم في كيفية رد فعلنا تجاهها.
أؤمن أن القدرة على تشكيل القدر تبدأ من الاعتراف بذاتنا، بتقدير إمكانياتنا الداخلية والعمل على تطويرها. فإذا كانت الظروف قد تضع أمامنا العديد من العقبات، فإن الإرادة القوية هي ما يجعلنا نتجاوزها. “نيك فويجيك”، بشجاعته وإصراره، يعلمنا أن حياتنا ليست سلسلة من الأحداث التي تفرض علينا، بل هي رحلة نختار فيها الوجهة والأهداف التي نريد أن نحققها.